لوموند: الحكومة الإسرائيلية تختار مسار عمل يضعها خارج صفوف الدول التي تحترم حقوق الإنسان

قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إنه من الضروري أن نقول بوضوح إن ما يحدث في غزة أمر غير مقبول ولكن يجب أن يكون ذلك مصحوبا بالاعتراف بأن العديد من حلفاء إسرائيل لم يعد لديهم أي شيء مشترك مع ائتلاف بنيامين نتنياهو، الذي اختار مسارا يضع السلطات الإسرائيلية خارج صفوف الدول التي تحترم حقوق الإنسان.
وأوضحت لوموند فى افتتاحيتها أن تراكم التصريحات التحريضية يؤدي دائما إلى تحديد سياسة ما مشيرة إلى أنه من خلال الوعد ب “تدمير” غزة، والتأكيد على أن لا شيء سيوقف الحرب، وأنه سوف يتم نشر كافة قوات الجيش الإسرائيلي لهذا الغرض، والإعلان عن “إخلاء” غزة من السكان، ورحيل نصف الفلسطينيين بل وأكثر من أرض صارت غير صالحة للعيش فيها عن قصد وبشكل منهجي، فإن السلطات الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تختار مسار عمل يضعها خارج صفوف الدول التي تحترم حقوق الإنسان .
وقالت إن الأمر لا يتعلق بالكلمات فقط.. فالاستخدام المفترض لسلاح الجوع والاستئناف أحادي الجانب للمذابح التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين بالقنابل التي تزود الولايات المتحدة بها الجيش الإسرائيلي، باسم القضاء على حماس الأمر الذى نتج عنه مقتل آلاف الأطفال وتشوههم وحرمانهم من الرعاية الأساسية وذلك بالإضافة الى العودة إلى النزوح الجماعي للسكان في المناطق التي تم تقديمها كذبا على أنها آمنة، كلها حقائق لا تؤدي إلا إلى تعزيز إمكانية وصف الإبادة الجماعية من قبل العدالة الدولية، وهي الجهة الوحيدة التى تتمتع بالشرعية لإعلان ذلك، بالإضافة إلى أن التصريحات التى أدلى بها بنيامين نتنياهو والمقصود بها العلاقات العامة لا تغير من الأمر شيئا .
وكانت العشرات من المنظمات غير الحكومية والدولية قد أطلقت تحذيرات، لكن دون جدوى حتى الآن.
وأضافت الصحيفة أنه ومن المؤكد أن مشروع التطهير العرقي في غزة، والذي تتبناه السلطات الإسرائيلية بشكل فظ في ثوب “خطة للهجرة الطوعية”، من شأنه أن يقود العديد من الدول إلى الاستنتاجات اللازمة ، فقد مضى وقت التضامن غير المشروط مع بلد تأثر بشدة بالهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر 2023. وحان وقت اظهار معارضة حازمة وواضحة لمشروع الائتلاف الحكومي الأكثر تطرفا في تاريخ الدولة العبرية.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا المشروع هو مشروع إسرائيل الكبرى التى تمتد حدودها “من النهر إلى البحر”، وهو ما من شأنه وأد حق الفلسطينيين في تقرير المصير بصورة نهائية… وكل ما يحدث يساهم في تحقيق ذلك. إن الخطط الخاصة بغزة، مثل تلك الخاصة بالضفة الغربية المحتلة، متروكة لعنف المستوطنين الإسرائيليين تحت حماية جيش فقد الكثير من القيم التي يدعي التمسك بها. إن السيطرة الكاملة على سجل الأراضي لغالبية الأراضي في الضفة الغربية التي استولت عليها الدولة العبرية لتوها هي مؤشر آخر على الرغبة في الضم.
وتابعت الصحيفة إن ائتلاف بنيامين نتنياهو لا يتقدم إلى الأمام متخفيا، بل على العكس تماما. فقد استفاد حتى الآن من التساهل والرضا عن الذات الذي أصبح الآن بمثابة التواطؤ. وفي مواجهة هذه القوة الهائلة كانت السلبية عامة وخاصة من جانب أولئك الذين يدعون الدفاع عن مشروع الدولة الفلسطينية، في حين أن قواعدها الإقليمية تختفي أمام أعينهم.
وأكدت “لوموند” من الضروري أن نؤكد بشكل واضح أن ما يحدث في غزة أمر غير مقبول، و يمثل “عارا”، على حد تعبير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ولكن هذه الخطوة لن تكون منطقية إلا إذا كانت مصحوبة بالاعتراف بأن العديد من حلفاء إسرائيل لم يعد لديهم أي شيء مشترك مع ائتلاف بنيامين نتنياهو الذى لم يعد بإمكانه الاستفادة من أي إفلات من العقاب.
ورأت الصحيفة أن التهديد باتخاذ “تدابير ملموسة” الذي ذكرته كندا وفرنسا والمملكة المتحدة في بيان مشترك يوم 19 مايو الجاري يشكل خطوة أولى … وأخيرا، لا بد من إثارة مسألة العقوبات، وكذلك مسألة تعليق اتفاقية الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، والتي تنص المادة الثانية منها على أنها تقوم على “احترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية”، والتي سوف تخضع لإعادة النظر فيها .
واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول إنه لإنهاء المأساة الإنسانية المستمرة، وإنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني، وحماية الدولة العبرية من نفسها، فإن المسار الذي اختارته السلطات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية لابد وأن يكون له ثمن، ولابد أن يكون هذا الثمن غاليا .