الجوارى في عصر المماليك: نظرة تاريخية واجتماعية

الجوارى في عصر المماليك: نظرة تاريخية واجتماعية

 

بقلم / دلال ندا …

عصر المماليك (1250–1517م) كان من الفترات الغنية والمعقدة في التاريخ الإسلامي، حيث امتزجت السياسة بالقوة العسكرية والثقافة بالتجارة، وشهد المجتمع المملوكي طبقات متعددة من السكان، من بينهم فئة الجواري، التي كان لها وجود ملموس في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

تعريف الجواري

الجواري هن النساء المسترقات (المملوكات) اللواتي كن يُشترين ويُبعن ويُستقدمن من مناطق متعددة، مثل القوقاز، الأناضول، بلاد ما وراء النهر، وبعض بلاد أوروبا الشرقية، ليُستخدمن في القصور أو البيوت إما للخدمة، أو للغناء، أو حتى للمعاشرة كـ “ملك يمين”.

وضع الجواري في المجتمع المملوكي

لم يكن وضع الجارية في عصر المماليك واحدًا، بل تنوع بحسب مهاراتها ومكانتها داخل البيت أو القصر:

1. الجواري المغنيات (القينات): كثير من الجواري كُنّ متعلمات في الغناء والموسيقى والشعر، وكنّ يُشترين بأثمان مرتفعة لتسليتهم في المجالس والقصور. بعضهن بلغن شهرة كبيرة في الأوساط الأرستقراطية.

 

 

2. الجواري للخدمة: استخدمن في الأعمال المنزلية مثل الطهي والتنظيف والعناية بالأطفال، وكان يُنظر إليهن بوصفهن جزءًا من ممتلكات السادة.

 

 

3. الجواري الحظيات: بعض الجواري حصلن على حظوة خاصة لدى الأمراء أو السلاطين، وربما أنجبن لهم أبناء، وفي حال اعتُقن، كانت مكانتهن ترتفع ليصبحن زوجات شرعيات أحيانًا، ويُعرفن حينها بـ “أمهات الأولاد”.

 

 

 

العلاقة بين الجواري والمماليك

 

على الرغم من أن المماليك أنفسهم كانوا في الأصل عبيدًا، إلا أن النظام الاجتماعي سمح لهم بالترقي والوصول إلى أعلى مراتب السلطة، بما في ذلك السلطنة. وكان من الشائع أن يحتفظ المماليك الكبار بعدد من الجواري في قصورهم، إذ كانت تُعد رمزًا للثروة والمكانة.

 

الأحكام الشرعية والتنظيم القانوني

 

الفقه الإسلامي في ذلك الوقت أقرّ بامتلاك الجواري ضمن شروط معينة، مع تنظيم معاملة الأمة (الجارية) ضمن إطار من الحقوق، مثل حق النفقة، وعدم جواز بيعها إذا كانت حاملاً من سيدها، أو إذا أصبحت “أم ولد”، حيث تُعتق بعد وفاته.

الجواري في الثقافة والأدب

انعكست صورة الجواري في كثير من الأدب المملوكي، لا سيما في كتب التراث مثل “بدائع الزهور” لابن إياس، و”النجوم الزاهرة” لابن تغري بردي. وذُكرت أسماء جوارٍ كان لهن أثر في الحياة السياسية أو الثقافية. كما كانت حكايات الجواري جزءًا من الأدب الشعبي والقصص المتداولة.

نهاية عصر الجواري

مع دخول العثمانيين مصر عام 1517م، استمرت ظاهرة الجواري، لكنها بدأت تتراجع تدريجيًا مع تطور الفكر الإنساني، ثم أُلغيت العبودية رسميًا في مصر في القرن التاسع عشر على يد محمد علي باشا وخلفائه.

رغم أن نظام الجواري في عصر المماليك يُعد اليوم جزءًا من صفحة مظلمة في التاريخ الإنساني بسبب طبيعته الاستعبادية، فإنه يسلّط الضوء على تعقيدات المجتمع المملوكي، الذي جمع بين القوة والترف، وبين القسوة والتعدد الثقافي. وقد لعبت الجواري، برغم ظروفهن الصعبة، أدوارًا مؤثرة في محيطهن، سواء داخل البيوت أو في الحياة الثقافية والسياسية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى