شجرة الدر: أول سلطانة حكمت مصر وغيّرت مجرى التاريخ

شجرة الدر: أول سلطانة حكمت مصر وغيّرت مجرى التاريخ
بقلم/ دلال ندا
في زمنٍ كانت فيه السلطة حكرًا على الرجال، سطعت شمس امرأة استطاعت أن تحكم واحدة من أعظم دول العالم الإسلامي في العصور الوسطى. إنها شجر الدر، السلطانة التي جلست على عرش مصر، وأدارت شؤون البلاد بحكمة ودهاء، تاركة بصمتها في صفحات التاريخ.
من الجواري إلى العرش
شجر الدر، أو شجرة الدر، كانت في بدايتها جارية من أصل أرمني أو تركي، بيعت في سوق الجواري ثم أصبحت جارية الخليفة الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب. وقد أحبها وأعتقها وتزوجها، فصارت سيدة البلاط الأيوبي، ورافقت زوجها في أحلك الأوقات، خاصة خلال مرضه وحربه ضد الصليبيين في الحملة السابعة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا.
الحاكمة التي أخفت موت السلطان
حين توفي السلطان نجم الدين في عام 1249 أثناء وجود الصليبيين في دمياط، اتخذت شجر الدر قرارًا تاريخيًا جريئًا: أخفت نبأ وفاته عن الجيش والشعب، خوفًا من الفوضى، واستمرت في إصدار الأوامر باسمه، وأدارت البلاد من وراء الستار، حتى تمكّن المسلمون من الانتصار وأسر لويس التاسع في معركة المنصورة عام 1250.
سلطانة مصر
بعد الانتصار على الصليبيين، وبمباركة كبار رجال الدولة، أعلن المماليك شجر الدر سلطانة على مصر، لتكون أول امرأة في التاريخ الإسلامي تتولى حكم دولة إسلامية كبرى. حكمت البلاد رسميًا لبضعة أشهر، أصدرت خلالها النقود باسمها، وقرئت الخطبة في المساجد بلقبها “المستعصمية”، نسبة إلى الخليفة العباسي المستعصم.
نهاية مأساوية لبطلة تاريخية
لكن خلافها مع الخليفة العباسي في بغداد، ورفضه الاعتراف بحكم امرأة، إضافة إلى الصراعات الداخلية، أدت إلى تنازلها عن العرش لزوجها الجديد الأمير عز الدين أيبك. لم تقبل أن تكون مجرد زوجة بعد أن كانت سلطانة، واشتعل الخلاف بينهما، وانتهى الأمر بمقتل أيبك بتحريض منها. ما لبث المماليك أن قبضوا عليها وقتلوها بطريقة مأساوية عام 1257، حيث يُقال إنهم أُغرقوها في قماش محشو بالحجارة، في قصرها بالقلعة.
إرث خالد
رغم النهاية التراجيدية، تظل شجر الدر واحدة من أكثر الشخصيات النسائية تأثيرًا في التاريخ الإسلامي. جمعت بين الذكاء السياسي، والجرأة، والولاء للدولة، وغيّرت مفهوم دور المرأة في الحكم في زمنٍ كانت فيه محاطة بالقيود.
قصة شجر الدر ليست مجرد سيرة امرأة وصلت إلى السلطة، بل هي فصل مثير في تاريخ مصر، يختزل الصراع على الحكم، والتحديات السياسية، ودور المرأة في المجتمع. إنها نموذج فريد لامرأة واجهت المستحيل، وكتبت اسمها في سجل الحكّام رغم أنف التاريخ.