المساجد في أمريكا بقلم: تهاني عدس

المساجد في أمريكا
بقلم: تهاني عدس
يتمتع المسلمون داخل أمريكا بالحرية الدينية مثلهم مثل باقي المواطنين الأمريكيين من الديانات الأخرى؛ بما في ذلك إنشاء المساجد وإحياء الشعائر الدينية الخاصة بهم.
فالإسلام يعد ثاني أكبر ديانة بعد المسيحية بالولايات المتحدة، والمساجد ليست ظاهرة جديدة على
المشهد الأمريكي.
تشير بعض المصادر إلى أن بناء بعض المساجد قد يعود إلى القرن السادس العشر مع قدوم الغزاة الأسبان إلى أمريكا.
ووفقًا للإحصائيات، يوجد ما يقرب من ثلاثة آلاف مسجد، موزعة على جميع الولايات الأمريكية، وخاصة المدن الكبرى والمناطق الحضرية المكتظة بالسكان مثل كاليفورنيا ونيويورك. وبالعاصمة واشنطن دي. سي يوجد واحدًا من أهم المراكز الإسلامية، والذي يعد الأكبر في النصف الغربي من الكرة الأرضية.
هذا العدد الهائل من المساجد يؤكد على حق المجتمع الإسلامي الأمريكي في ممارسة شعائره بحرية تامة مثل باقي المجتمعات من الديانات الأخرى داخل الدولة. انه يعكس مدى تنوع الجنسيات والجاليات المختلفة من المسلمين، والغالبية العظمى منهم يفضلون العيش في المناطق القريبة الواقعة حول تلك المساجد، لارتباطهم الروحاني الوطيد بها وحرصهم الشديد على الحفاظ على هويتهم الإسلامية.
في السطور التالية، سألقي الضوء على واحدًا من هذه المراكز لما يتمتع به من خصائص مميزة، وهو مركز بروكفيلد الإسلامي.
يعتبر هذا المركز فرعًا من فروع متعددة تابعة للمركز الرئيسي الموجود بالجانب الجنوبي من مدينة ميلواكي. ويقع مركز بروكفيلد بالجانب الغربي من المدينة، ويعد المركز الوحيد الذي يخدم المسلمين في المنطقة الغربية.
ويضم المركز مسجدًا كبيرًا، يطلق عليه مسجد النور، وهو يتكون من ثلاثة طوابق، يتسع إلى استيعاب أكثر من ٣٠٠ مصلي من الرجال، ويخصص طابقًا كاملاً للنساء. يتبع المركز مدرسة النور، المتخصصة في تعليم الطلبة المسلمين أصول الدين الإسلامي، والتي يبلغ عدد الطلاب المسجلين بها الى نحو ١٥٠ طالب وطالبة، تتراوح أعمارهم بين ٥ و١٥عاما، يدرسون فيها ٣ مواد دينية أساسية وهي الدراسات الإسلامية والسيرة النبوية الشريفة وتفسير القرآن الكريم.
يوفر المركز ايضًا فصولًا لتعليم اللغة العربية وتحفيظ وتجويد وتفسير القرآن الكريم، والعديد من البرامج الأخرى التي تعنى بالمرأة والأطفال والشباب والأسرة المسلمة بشكل عام، والتي يقوم بإعدادها والإشراف عليها فريق من المتخصصين.
تتميز االانشطة التي يوفرها المركز بتنوعها الثقافي، ويتجلى هذا التميز في احتفالات رمضان المبارك، حيث يلتقي المسلمون من جميع الجنسيات، لإحياء ليالي رمضان، خاصة في صلاة التراويح بالصلاة والذكر، والمشاركة في الإفطارات الجماعية، والتي تتميز بتنوعها الثقافي، وحضور المحاضرات الدينية مما يعزز الترابط الاجتماعي بينهم ويساعد على تبادل الثقافات المختلفة.
ما يميز الجالية المسلمة في بروكفيلد هو طابعها التقدمي-التطوري، يتجلى هذا التوجه في وعي أفرادها العالي بضرورة ارتباط المسلمين الأمريكيين بمساجدهم، واهمية المشاركة الفاعلة في الشأن العام، والتركيز على دور المرأة المسلمة في بناء المجتمع الإسلامي.
يشرف على تنظيم الأنشطة والفعاليات وإدارة المركز، مجلس الإدارة، الذي يتكون من ١١ عضوًا، يتم انتخابهم بواسطة أفراد الجالية المسلمة كل ٣ أعوام.، يتلخص دورهم في الإشراف المباشر على الشئون الدينية والمالية والدعوية والانشائية والتكنولوجية وغيرها من الأمور الإدارية الخاصة بالمركز. يرأس المجلس رئيس، يتم انتخابه بواسطة أعضاء المجلس، ويطلق عليه لقب الأمير.
من أهم ما يميز مركز بروكفيلد هو دعم المرأة واعطائها الفرصة للعمل جنبا الى جانب الرجل، دون غضاضة. لقد تمكنت امرأة مسلمة من أصول هندية، من الحصول على منصب الأميرة، والقيام على شؤون المسلمين لمدة ٤ سنوات متتالية، نالت خلال هذه السنوات استحسان أعضاء الجالية المسلمة وحازت على ثقة قادتها من الرجال والنساء.
ففي الوقت الذي يسيطر فيه الرجال على غالبية المؤسسات والمراكز الإسلامية في أنحاء الولايات المتحدة، نجاح امرأة مسلمة في إدارة شؤون الأمة يعزز دور المرأة بشكل عام والمرأة المسلمة بشكل خاص في المشاركة في قيادة المؤسسات الدينية ويثبت جدارتها في تولي المناصب القيادية.
مما يحطم الصورة النمطية التي يصدرها الإعلام الأمريكي للرأي العام؛ والذي يصور المرأة المسلمة على أنها تلك الضعيفة والمقهورة. فقيام المرأة المسلمة بدور قيادي، يعزز بدوره حقها بالمشاركة في الشأن العام للامة والذي يكفله لها الدين الإسلامي الحنيف، ويبرأ الرجل المسلم من تهمة التسلط عليها ومحاولة قهرها.
الجدير بالذكر، أن تولي المرأة القيادة، لا يعني بالضرورة منافسة الرجل، او الاستحواذ بالسلطة وفرض الرأي عليه، بل يعني العمل جنبًا الى جنب من أجل الصالح العام. القيادة في الإسلام تقوم على مبدأ الشورى والعدل والمساواة، والتي يلتزم بها القائد سواء كان رجلًا أو امرأة. أذكر ايضًا أن دور الأميرة هو دورا اداريًا بحتًا، لا يشمل الإمامة والخطابة والفتاوى الشرعية؛ الذي هو من اختصاص إمام المسجد.
في الختام، نموذج مركز بروكفيلد الإسلامي، ألقى الضوء على أهمية توفير جو عام صحي، يسمح للمرأة المسلمة بمشاركة الرجل جهوده في بناء المجتمع المسلم المتحضر الذي يواكب التطور الحضاري في المجتمع الأمريكي، والذي يساعد في اندماج وانخراط المسلمين في الحياة العامة بدلًا من الانعزال والشرذمة والتقوقع.
دور المساجد على الأراضي الأمريكية، يتعدى دور العبادة والصلاة. المسجد كما وضحنا في نموذج مسجد النور، أنه جزء من مؤسسة متعددة الأدوار، فهي تقدم خدمات تعليمية وثقافية وترفيهية وتوعوية لجميع الأعمار، فضلًا عن دورها الدعوي من أجل الصالح العام، والذي يهدف إلى الحفاظ على الهوية المسلمة لكل فرد، ويعمق أواصر الترابط مع باقي افراد المجتمع، ويقدم العون والدعم لأبناء المجتمع المسلم للثبات على الدين وحماية الشباب والشابات من الأمراض الأخلاقية.