ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى .. الكاتب / محمـــد الدكـــروري

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي وصية الله للأولين والآخِرين، كما قال تعالى ” ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ” ذكرت كتب الفقه الإسلامي أن من أنواع الكفر هو العناد، ووصف الثابت يقينا هو ما أجمع أهل العلم بالحديث والجرح والتعديل، من أهل السنة والجماعة، على تلقيه بالقبول والتصحيح، والإجماع من الحجج الشرعية، التي لا يخالف فيها أحد من أهل العلم.

لقول الله تعالى ” ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا” وفي هذا رد على من رفض قبول تصحيح أهل العلم بالحديث، بدعوى أنهم بشر يخطئون، فليست الحجة في آحادهم، بل في مجموعهم، ومجموعهم لا يجتمع على ضلالة، كما دلت الآية الكريمة، ومن أمثلة هذا الثابت بيقين هو جملة ما في صحيح البخاري ومسلم، دون جميع أفرادها، حيث إنتقد بعض أحاديثهما، من جمع من المحدثين الثقات، المعروفين بالسنة والعدالة، لكن لا يصح أن يكون ذلك سببا في الطعن في شيء فيهما، والآثار المتواترة وهي التي رواها الجمع الكثير عن الجمع الكثير، وهم العشرة فما فوق، حيث يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب، وأيضا أصول الآثار التي إستقر إعتقاد أهل السنة والجماعة عليها. 

في أبواب الإعتقاد والشريعة، وفرق بين الذي يرد الحديث بإجتهاد في التصحيح والتضعيف، نظرا منه وإجتهادا في تطبيق قواعد الجرح والتعديل، وبين الراد له بدون قاعدة، بل بالهوى والمزاج، فهذا قد يرد جميع الحديث، فلا يقبل ولا واحدا منه، إلا ما لاءمه ووافق ميولاته، فهذا مكذب غير مصدق لأنه إن كان مصدقا برسالة النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم، فلا بد أن يصدق أن دينه محفوظ بمصادره، وهي الكتاب والسنة، لكن رده للسنة يتضمن إنكار أن يكون دينه محفوظا، وهذا فيه إنكار للرسالة من أصلها، والتكذيب كما يكون برد ما ثبت ردا صريحا، فكذلك يكون بتأويل الخبر عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم تأويلا يخرجه عن معناه، ويبطل دلالته بالكلية، بقصد وتعمد، وهو مسلك يتبعه المنافقون الذين يلقبون بالباطنية، وهم القرامطة والإسماعيلية. 

والنصيرية والدروز، وطوائف من الطرق الدينية الذين يزعمون أن للشريعة ظاهرا وباطنا، فظاهرها للعوام، وباطنها للخواص ويجعلون المعاني الباطنة مخالفة تماما لدلالات النصوص، وهي أيضا طريقة جماعة من المعاصرين، من أصحاب الفكر الحديث، المدعين إلتزام الإسلام وتعظيمه، لكن بتأويل الشريعة، تأويلا يعطل دلالتها ومعانيها وأحكامها، فما من حُكم ولا خبر لا يوافق أهواءهم، إلا ردوه وأولوه بما يتوافق مع أهوائهم وركبوا لأجل ذلك طرق التحريف، فهذا النص والحكم كان لزمن ولظرف خاص، ولا ينفع في هذا العصر لأن الظرف تغير، وهذا النص له تفسيرات أخرى في اللغة، وهذا النص يتعارض مع الحرية، والحرية من أسس الإسلام، فلا بد من تأويله، وفي هذه الأحاديث لسنا ملزمين بالأخذ بتصحيح بشر يخطئون، وهكذا ما تركوا أمرا ولا خبرا. 

إلا ردوه معتمدين أهواءهم، مستدلين بكلام بعض العلماء مبتورا، أو مسيئين الفهم، أو قاصدين إساءة الفهم، فما حالهم إلا حال المكذب، وما فعلهم إلا فعل المكذب، فلا ريب أن هذا كفر، كفر التكذيب الصريح، بل هو أخبث، إذ يوهم أن صاحبه معظم للشريعة، عامل بها، بينما هو محرف لها، معطل لأصولها وحقائقها، وهذا النوع من التكذيب المبطن الخفي لأخبار النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم يشتهر وينتعش في حالتين، في حال غلبة الشريعة وهيمنتها، فيخاف أولئك المحرفون من إظهار تكذيب النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم علنا وجهارا، فليجئون إلى طريقة الشريعة الباطنة، وفي حال غلبة التدين على الناس، حيث تعتمد فئة هذا الأسلوب لإضلال الناس عن دينهم وصرفهم عنه، فيفعلون هذا بشريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما فعل بولس بشريعة نبي الله عيسى عليه السلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى