الكونستابل الأمين «محمد عبد الله».. أنقذ سمعة مصر وكرّمه الملك فاروق

رانيا البدرى

في تاريخ الأمم، هناك أبطال قد لا تحظى أسماؤهم بالشهرة الواسعة، لكن أفعالهم تبقى محفورة في الذاكرة الوطنية، أحد هؤلاء الأبطال هو الكونستابل الأمين “محمد عبد الله”، الرجل الذي وقف بشجاعة ضد محاولة زعزعة استقرار مصر في أربعينيات القرن الماضي. كانت الصحافة المصرية في عام 1944 تصفه بـ “الرجل الذي أنقذ سمعة مصر”، إذ تصدى ببطولة لمحاولة اغتيال اللورد موين، الوزير البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، على يد أعضاء منظمة شتيرن الصهيونية، وتمكن من القبض على الجناة، محبطًا مخططًا كان يمكن أن يخلق أزمة كبرى بين مصر وبريطانيا، لقد حظى بتكريم ملكي من فاروق الأول، ومنع من السفر إلى بريطانيا لحمايته من خطر الاغتيال، في هذا التقرير، نلقي الضوء على تفاصيل الحادثة، دور الأمين عبد الله البطولي، تكريمه، ومسيرته الحياتية حتى وفاته.

في 7 نوفمبر 1944، استهدف “إلياهو حكيم” و”إلياهو ميتسوري”، وهما من أفراد منظمة شتيرن الصهيونية، اللورد موين أمام منزله في الزمالك، بهدف إحراج مصر وخلق حالة من الفوضى الأمنية، عند سماع صوت إطلاق الرصاص وتعالي الصيحات، تحرك الكونستابل الأمين “محمد عبد الله” فورًا بحثًا عن الجناة.

أثناء تمشيطه المنطقة، لاحظ رجلًا يقود دراجة تحمل لافتة مصلحة التليفونات، وكانت عليه علامات الارتباك، بحدسه الأمني تمكن الأمين عبد الله من القبض عليه وتقييده بالحبال، ثم سلّمه لعسكري الدورية، لم يكتفِ بذلك، بل تابع البحث حتى عثر على القاتل الثاني بعد مطاردة مثيرة، رغم تعرضه لإطلاق نار كاد يودي بحياته، شجاعته الاستثنائية أفسدت المخطط الصهيوني، وأثبتت قدرة الأجهزة الأمنية المصرية على التصدي للمؤامرات.

بعد القبض على منفذي الاغتيال أحياء، حظى الأمين عبد الله بتقدير واسع داخل مصر وخارجها، وقرر الملك فاروق منحه نوط الجدارة الفضي كمكافأة على شجاعته، بالإضافة إلى ترقية استثنائية من رتبة كونستابل “شاويش” إلى ملازم، كما حصل على مكافأة مالية.الملكة إليزابيث شخصيًا طلبت استدعاءه إلى بريطانيا لتكريمه في مجلس العموم البريطاني، لكن الملك فاروق رفض هذا الطلب خوفًا من تعرضه للاغتيال على يد الجماعات الصهيونية في بريطانيا، وهو ما يعكس مدى إدراك القصر الملكي لخطر تلك التنظيمات على حياة الأبطال الذين يقفون في طريقها.

تحدثت شقيقته الملازم ابتسامات عبد الله، التي تعد أول امرأة مصرية تلتحق بالجيش خلال حرب فلسطين 1948، عن تفاصيل الحادث، مؤكدة أن شجاعة شقيقها لم تكن مفاجئة لمن يعرفه، لقد نشأ على حب الوطن والاستعداد للتضحية من أجله، وهو ما تجلّى في تصرفه السريع والواعي خلال الحادثة.

في عام 1967، تم تجسيد تلك الواقعة البطولية في الفيلم المصري “جريمة في الحي الهادئ”، اللافت أن الأمين عبد الله لم يكن مجرد مصدر إلهام للفيلم، بل أدى دوره بنفسه في مشاهد المطاردة، مستعيدًا أحداث الحادثة كما وقعت في الواقع، هذه المشاركة تضفي مصداقية غير مسبوقة على الفيلم، وتؤكد مدى اعتزاز عبد الله بإنجازه البطولي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى