أيامٌ لا تُعوَّض.. أسرار العشر المباركة وكنوز القرب من الرحمن

بقلم: محمود سعيد برغش
في كل عام، تشرق علينا عشرة أيام ليست كسائر الأيام…
أيامٌ عظّمها الله، وأقسم بها، ورفع فيها درجات الطائعين، وفتح فيها أبواب رحمته لعباده المقبلين.
إنها العشر الأوائل من ذي الحجة… أيام النفحات والبركات، موسم الطاعات وميدان التسابق إلى الجنان.
1. إشراقة النور في القرآن الكريم
يكفي في فضلها أن الله تعالى أقسم بها فقال:
“وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ” [الفجر: 1-2]
وقد اتفق جمهور المفسرين، وعلى رأسهم ابن عباس رضي الله عنه، أن المقصود بها عشر ذي الحجة.
ويقول تعالى في موضع آخر:
“لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ” [الحج: 28]
وهي أيام هذه العشر المباركة، كما قال جمهور العلماء.
2. فضلها في سنة المصطفى ﷺ
قال النبي ﷺ:
“ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام”
قالوا: ولا الجهاد؟
قال: “ولا الجهاد، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء” [رواه البخاري].
ويكفي أن صيام يوم عرفة يكفّر ذنوب عامين، كما في الحديث الشريف.
3. السلف والعشر: أحوال القلوب إذا أقبلت
كان السلف إذا دخلت هذه الأيام، استعدوا لها كما يُستعد لأغلى الضيوف.
قال سعيد بن جبير: “لا تطفئوا سُرجكم في ليالي العشر” – أي لا تتركوا قيام الليل.
وكان ابن عمر وأبو هريرة يرفعان أصواتهما بالتكبير في الأسواق، فتحيا الأرواح بنداء الإيمان.
4. مناجم الخير: أعمال مستحبة في العشر
من أهم ما يُستحب في هذه الأيام:
الصيام، خاصة يوم عرفة.
الذكر والتكبير والتهليل والتحميد.
قيام الليل والدعاء في الأسحار.
قراءة القرآن والتدبر.
الصدقة، وصلة الأرحام.
الأضحية للمقتدر.
بر الوالدين، والإحسان إلى الخلق.
الدعاء الخالص لله تعالى.
5. يوم النحر: تتويج الطاعات
يوم العاشر من ذي الحجة هو يوم النحر، أعظم أيام الدنيا.
قال النبي ﷺ:
“أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر” [رواه أبو داود].
فيه تكتمل مناسك الحج، وتُذبح الأضاحي، وتُقام شعائر العيد.
6. الذبيح: الطاعة تُورث البركة
في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، يتجلى أسمى معاني الإيمان:
“يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ” [الصافات: 102]
فكانت الاستجابة، وكان الفداء، وبقيت سُنة الأضحية ذكرى خالدة.
7. أقوال العلماء: صوت الحكمة عبر الزمن
قال الإمام النووي:
“يُستحب الإكثار من العبادات فيها، فهي موسم خير لا يُعوّض”
وقال ابن رجب الحنبلي:
“أيام العشر أفضل من أيام رمضان، وإن كانت ليالي رمضان أفضل”
8. رسالة ختامية من القلب
أخي القارئ… أختي القارئة…
هل فكرت أن تكون هذه العشر بداية جديدة؟
فرصة لترميم قلبك، وتطهير روحك، وتجديد عهدك مع الله؟
“قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ” [آل عمران: 31]
اجعل لك عملًا لا يعلم به أحد، ودمعة لا يراها إلا الله، ودعاءً صادقًا يعبر بك إلى رحاب القبول.
فلا تُضيع الفرصة… فربما لا تعود.
ابدأ بقلبك، ولتكن هذه العشر بوابة العودة إلى الله.