دور الأب في الأسرة .. الكاتبة/ الزهرة العناق

 

الأب عمود القيم ومصنع الرجولة.

هو اليد التي تطعم و الظهر الذي يسند.

في زمن كثرت فيه المفاهيم و تبعثرت فيه الأدوار، يبقى دور الأب في الأسرة ثابتا كجبل لا تهزه الرياح، و سراجا لا تطفئه العواصف.

الأب هو ذاك الظل الوارف الذي يحمي، والسند الذي لا يميل، و النواة التي بها تستقيم الأركان وتستند القلوب.

إن الأب ليس مجرد معيل أو مصدر للإنفاق، بل هو القدوة الأولى والمعلم الصامت، الذي تنطق أفعاله قبل أقواله. حين ينهض باكرا لأداء عمله بكل تفان، يزرع في نفوس أبنائه معنى الجد والاجتهاد. وحين يفي بوعده، ولو كان بسيطا، يغرس فيهم أمانة الكلمة وصدق العهد.

الأب هو من يعلم أبناءه كيف يكون الرجل رجلاً، وكيف تكون الأنثى فخورة بوالدها، متكئة على صلابته وحنانه في آن واحد. هو من يعلمهم أن الرجولة لا تتمثل في العنف، بل مسؤولية، وأن الحنان لا يضعف الهيبة، بل يرفعها.

الأب مدرسة، إن أحسنت الأجيال الإصغاء إليها، تخرج منها قادة لا تابعين، و أبطالا في الأخلاق لا في الصراخ. و إن صمت، كان صمته لغة، وإن تكلم، كان لكلامه وزن في الميزان لا يهدر.

كم من ابن سار في الحياة بثقة، لأن وراءه أبا علمه كيف يقف، لا كيف يتكئ! وكم من فتاة خطت خطواتها الأولى بثبات، لأنها رأت في أبيها المعنى الحقيقي للحماية والطمأنينة!

و لعل من أعظم ما يجب أن يدركه هذا الجيل، هو أن غياب الأب لا يقاس بالجسد، بل بالغياب القيمي. فكم من آباء حاضرين بالجسد، لكنهم غائبون عن التربية والتوجيه والدعم، وكم من آباء رحلوا، لكن آثارهم باقية في سلوك أبنائهم و مبادئهم، كأشجار تركت ثمارها رغم غياب ظلها.

أيها الأب، لا تقلل من قيمة نظرة حانية، ولا من أثر كلمة تشجيع، ولا من جلسة حوار صادقة مع أبنائك. فربما تبني بها جيلا يعرف من هو، ويحترم جذوره، ويصون اسمه، ويكون سندا للمستقبل لا عبئا عليه.

وأنت أيها الابن، أيتها الابنة، لا تنسوا أن في كل تجعيدة على جبين أبيكم قصة كفاح، وفي كل خطوة يخطوها لأجلكم تضحية خفية، لا يبوح بها إلا دمع يخفى ووجع يكتم.

أخيرا وليس آخرا، فليكن لكل أب في هذا الزمن وقفة تأمل مع نفسه، يسألها: هل كنت لأبنائي كما أرجو أن يكونوا لي غدًا؟

و ليسأل كل ابن نفسه: هل احتضنت قلب أبي قبل أن أطلب منه شيئًا؟

ففي عمق هذه الأسئلة تكمن أجمل العلاقات وأكثرها صدقا.لنعد للأب مكانته، و للأسرة دفئها، ولنكن نحن البداية لصنع أجيال المستقبل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى