الذكاء الاصطناعي و الأستاذ .. بقلم: الزهرة العناق

في زمن تتسارع فيه الخوارزميات أكثر مما تتسارع فيه خطى الطباشير على السبورة، يغدو الذكاء الاصطناعي واقعا أكاديميا لا مناص من احتضانه أو مجابهته.
لكن هناك مجموعة من الأسئلة التي تتبادر للذهن و هي:
كيف يستخدم الأستاذ هذه الأدوات؟
هل هي استعانة واعية رشيدة؟ أم اعتماد أعمى يخفي فراغا؟
و هل هي شراكة فكر أم انسحاب ضمير؟
هل الذكاء الاصطناعي أداة؟ أم عقل بديل؟
حين يلجأ الأستاذ إلى الذكاء الاصطناعي لتحضير الامتحانات أو المحاضرات أو حتى بناء البحوث، فإنه لا يلام متى كانت نيته الارتقاء بجودة المحتوى و تنويع الزوايا المعرفية.
لكن، إذا تم الاعتماد عليه بشكل غير رشيد أو لا يلائم السياق الأكاديمي، سيصبح الخطر حتميا.
الذكاء الاصطناعي لا يشعر بنبض القسم، ولا يدرك تفاوت القدرات، ولا يراعي السياقات المحلية ولا عمق التفاعل بين الأستاذ و الطلبة. وإذا ما سلمت له مفاتيح الفرض والمحاضرة، فقد ينتج ما يبدو منسجما لغويا، لكنه بعيد عن روح التعليم و غريب عن نبض الواقع.
كيف يستخدمه الأستاذ؟
★ في صياغة أسئلة الامتحان:
قد يطلب الأستاذ من الأداة إعداد اختبار حول محور دراسي معين، فتأتيه أسئلة مصاغة بدقة. وهنا، تطرح أسئلة أعمق:
هل أخضع الأستاذ تلك الأسئلة للتمحيص التربوي؟
هل تأكد من ملائمتها لما قدم في الدرس؟
أم اكتفى بنسخها ولصقها دون تعديل أو تكييف؟
في هذه الحالة، تتحول الأداة من مساعد إلى بديل، ومن حافز إلى خلل في التقييم.
★ في تحضير المحاضرات:
قد يستخدم الأستاذ الذكاء الاصطناعي بنية اقتراح محاضرة أو تبسيط مفهوم. فإن قام بالتعديل و الإضافة و التنقيح، فذلك اجتهاد محمود.
أما إن قدم المادة كما تلقاها من الأداة، دون روح أو بصمة، فإن الطالب يفقد حينها “العلامة الفارقة” في الشرح، ويغدو صوت الأستاذ مجرد صدى لآلة.
★ في البحوث الأكاديمية:
إن الاستعانة بالأداة في توليد الأفكار أو تنظيم العناوين قد يرفع مستوى العمل شكليا.
لكن غياب لمسة الباحث، و نفس الاجتهاد، وروح التساؤل، يجعل من البحث منتجا بلا روح: يصلح للعرض، لا للمجادلة؛ يملأ الفراغ، و لا يحرك الفكر.
مسؤولية الأستاذ أمام هذا التحول
الأستاذ الحقيقي ليس في منافسة مع الذكاء الاصطناعي، بل هو من يعيد تشكيله و يطعمه بخبرته و يهذبه بحسه التربوي.
هو الفنان الذي لا يرهبه التطور، بل يحوله إلى فرشاة جديدة يلعب بها في لوحته المعرفية.
إن استخدام الذكاء الاصطناعي بذكاء لا يعني التنصل من المسؤولية، بل يستدعي مضاعفتها.
الأستاذ الواعي، حين يدمج الأداة بخبرته، ينمي ملكات التفكير لدى الطالب، و يرشده إلى أدوات المستقبل.
أما من يتخلى عن أمانته التربوية، فإنه يسلم الأجيال القادمة لمن لا يفهم لغتها ولا يعترف بإنسانيتها.
أخيرا وليس آخرا، الذكاء الاصطناعي ليس خصما للفصل، بل ضيفا جديدا على مائدته. يحتاج إلى تهذيب و ترويض وتوجيه.
و يبقى الأستاذ هو من يصنع الفرق حين يجمع بين بصيرة الإنسان و نباهة الأدوات،
فهل سنشهد تعليما يفيض بالمعنى والوعي، أم عصرا تتكلم فيه الآلة و يصمت فيه الضمير؟