السمو إلى منزلة أعلى ومكانة أسمى

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد لقد بيّنت الشريعة الإسلامية أن العفو والتسامح هو المسلك الأولى والأجدر بالقبول، وذلك في قوله تعالي ” فمن عفا وأصلح فأجره علي الله إنه لا يحب الظالمين ” ثم يحث الإسلام على السمو إلى منزلة أعلى ومكانة أسمى، وذلك حينما لا يكتفي بالترغيب في العفو، وإنما يرغب في الإحسان إلى المسيء، ومواجهة السيئة لا بسيئة مثلها وإنما بحسنة تزيل أسباب العداوة وتمحو دوافع البغضاء، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ” وبهذا أقام الإسلام التوازن في خلق المسلم، فلا إفراط ولا تفريط، ولا وكس ولا شطط.
وكما أن الوسطية والإعتدال والتوازن بين مطالب الدنيا ومطالب الآخرة، ووسطية أهل الإسلام المستقيمين على هديه، تبدو في الإعتدال والتوازن بين مطالب الدنيا والنظرة إليها، ومطالب الآخرة والعمل لها، والأخذ بالأسباب المؤدية إلى ذلك، دون إفراط أو تفريط، ودون إسراف أو تقتير، حيث قال الله تعالى ” وابتغي فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسي نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ” فالإسلام وسط بين من غلا في أمر الدنيا، ولم يهتم بالآخرة، وبين من غلا في أمر الآخرة، ونظر إلى الدنيا نظرة ازدراء وإبتعاد، وهكذا التوازن بين مطالب البدن ومطالب القلب، فقد بلغ الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم أن ثلاثة رهط، أراد أحدهم أن يصلي الليل أبدا، وأراد ثانيهم أن يصوم الدهر ولا يفطر، وعزم الثالث على أن يعتزل النساء.
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقر هذا الإتجاه فبادر بعلاجه، وصحح نظرتهم لتحصيل خشية الله وتقواه، فبين أنها ليست بالتضلع من أعمال والتفريط في أخرى، ولكنها تحصل بالموازنة بين جميع مطالب الله تعالي، وهذا هو عين الوسطية والحكمة والإستقامة والإعتدال والعدل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الدنيا حقها والآخرة حقها بالقسطاس المستقيم، وكان من دعائه ” اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، واصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر ” فهذا الدعاء النبوي المأثور، يبين موقف المسلم من الدين والدنيا والآخرة، أنه يطلبها جميعا، ويسأل الله تعالي أن يصلحها له جميعا، الدين والدنيا والآخرة، إذ لا غنى له عن واحد منها.
فالدين عصمة أمره، وملاك حياته، والدنيا فيها معاشه، ومتاعه إلى حين، والآخرة إليها معاده ومصيره، وهو مثل الدعاء القرآني الموجز الذي كان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يدعو به ” ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ” ومن ذلك الاعتدال في تناول الطيبات، وكذلك الإعتدال والتوازن في الإنفاق، وإن ما يحقق الوسطية في المجتمع أمور من تمسك بها فقد حقق الوسطية على الوجه المطلوب، أهمها وأعظمها هو التمسك بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله المصطفي صلى الله عليه وسلم، فهما الواقيان من الوقوع في الخطأ، والخروج عن الصراط الذي إرتضاه الله لعباده، وإرتضاه رسوله صلى الله عليه وسلم لأمته، وأيضا تأصيل مفهوم الوسطية في النفوس من خلال المناهج الدراسية ومنابر المساجد، والبرامج الإعلامية عبر وسائل الإعلام.
والندوات وغير ذلك، وأيضا الممارسة العلمية الواقعية لمنهج الوسطية من قبل العلماء وطلاب العلم والدعاة، مما يتيح للناس أن يروا القدوة الصالحة التي هم في أمسّ الحاجة إليها، وكذلك تربية الأمة على هذا المنهج تربية عملية شاملة، مما يقضي على الخلل الموجود في محيط المجتمع المسلم سواء أكان إفراطا أو تفريطا.