التوترات الاقتصادية بين أمريكا والصين .. صراع النفوذ في عالم متغير

الدكتور: علي عبدالحكيم الطحاوي المتخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية .

تشهد العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية توترًا متصاعدًا لم يعد مجرد خلاف تجاري عابر، بل تحول إلى صراع أعمق يعيد رسم ملامح الاقتصاد العالمي فبينما تسعى واشنطن للحفاظ على موقعها كقوة أولى في العالم، تتحرك بكين بخطى حثيثة لترسيخ مكانتها كقوة صاعدة، وأرى تنافس ليس فقط بالسلع والأسواق، بل بالتكنولوجيا والتأثير الجيوسياسي.
وهنا تعود جذور هذا التوتر الذي تصاعد بشكل ملحوظ منذ عام 2018، لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة طبيعية لتضارب المصالح بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، إحداهما تسعى للحفاظ على هيمنتها، والأخرى تطمح لتوسيع نفوذها.
وأرى ذلك يرجع إلى تحولات كبرى في ميزان القوى الاقتصادي، حيث باتت الصين تُهدد بجدية مكانة الولايات المتحدة عبر توغلها في أسواق التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والاتصالات، مما أثار قلقًا أمريكيًا متزايدًا.
وقد اتضح ذلك في سياسات مباشرة اتخذتها واشنطن مثل فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية، وتشديد القيود على شركات مثل “هواوي” و”تيك توك”، ما ردّت عليه بكين بإجراءات مماثلة، خلقت حالة من “الحرب الاقتصادية الباردة”.
وأرى ان الجانب التكنولوجي تحديدًا أصبح بؤرة الصراع الجديد، إذ لم يعد الأمر متعلّقًا فقط بمن يُنتج أكثر، بل بمن يتحكم في مستقبل الاقتصاد العالمي عبر الابتكار، والتحكم في البيانات، واحتكار صناعة الرقائق وأشباه الموصلات. فالحرب لم تعد على النفط أو الذهب، بل على المعرفة والبنية التحتية الرقمية.
لكن الصراع لا يدور فقط بين قوتين، بات يلقي بظلاله على العالم بأسره.

وأرى أيضا ان دول كثيرة باتت مجبرة على الموازنة بين علاقاتها مع الطرفين، في وقت تتعرض فيه سلاسل الإمداد العالمية لهزات عنيفة، ويعيش الاقتصاد العالمي على وقع تقلبات متسارعة حتى المستهلك العادي بات يشعر بهذه التوترات في ارتفاع الأسعار، وتذبذب الأسواق، وتغير خريطة التصنيع والتجارة.

وهنا وسط هذه الأجواء المشحونة، يبرز تساؤل ضروري: هل يمكن أن يتحوّل هذا التنافس إلى فرصة لإعادة صياغة نظام عالمي أكثر توازنًا وتعاونًا؟ أم أننا أمام انقسام اقتصادي عالمي يهدد بخلق عالم ثنائي القطب من جديد؟ المؤكد أن الانفصال الكامل بين القوتين سيكون مؤلمًا، بل ومدمرًا، ليس لهما فقط بل للاقتصاد العالمي برمّته.
ولكن في خضم هذا الصراع المحتدم، يبقى هناك سؤال جوهري: هل من مصلحة العالم أن تستمر هذه التوترات، أم أن التعاون، رغم صعوبته، هو السبيل الوحيد لتجنب كارثة اقتصادية عالمية؟ وهنا أرى الواقع يقول إن الاقتصاد العالمي بات مترابطًا بشكل غير مسبوق، وأن الانفصال الكامل بين الصين وأمريكا سيكون مكلفًا للطرفين، بل ومدمرًا للبقية.
أرى أن العالم يقف اليوم على مفترق طرق فإما أن يُسهم الصراع بين واشنطن وبكين في ولادة نظام اقتصادي أكثر تعددية وتوازنًا، أو أن يقود إلى انقسام اقتصادي عالمي، يعيد أجواء الحرب الباردة ولكن بثوب جديد وبين هذه الاحتمالات، يبقى الأمل في أن تعي القوى الكبرى أن المنافسة لا تعني بالضرورة المواجهة، وأن الاقتصاد يجب أن يكون أداة لبناء الجسور لا لبناء الجدران.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى