نادية هارون تكتب: لماذا تُصِرّ إيران على النووي طالما لا تمتلك قدرات عسكرية؟!

فصل جديد من فصول إستعراض القوة والسجال الدائر بين إسرائيل وإيران، فبينما الجميع ينتظر جولة جديدة من المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، وعلى بعد خطوة من الإنعقاد تقوم إسرائيل بتوجيه ضربات مُوجِعَة لإيران باستخدام سلاحها الجوي، وفي اليوم السابق للهجمات أظهر فيديو نشره (الموساد) عملاء إسرائيليين يُهرّبون أسلحة إلى الداخل الإيراني في قاعدة لإطلاق طائرات مُسيّرة مُتفجرة داخل إيران، وتم تفعيل هذه الطائرات خلال هجوم الجمعة إستهدفت منصات إطلاق صواريخ في قاعدة قرب طهران ما يعني قدرة إسرائيل على إختراق الأراضي الإيرانية.
إسرائيل تَجَهَّزت لهذه الهجمة الكبيرة، وتم التخطيط لها بدقه مكَّنتها من ضرب المنظومة الدفاعية الإيرانية، وقتل عدد من القادة والعلماء، ومن المؤكد أن إسرائيل ستظل في حالة إستعداد لضرب إيران إذا ما أقدمت الأخيرة على الرد أو ضرب أي منشآت تابعة لأمريكا بالمنطقة، وعلى الرغم من تعهدات ترامب خلال الإنتخابات الرئاسية بإيقاف الحرب في الشرق الأوسط، وعدم إستعداد واشنطن لتكلفة حرب في المنطقة، إلا أن الدور الأمريكي واضح جداً في دعم إسرائيل وإن لم يكن دعماً لوجستياً فإستخباراتياً.
نظرة سريعة إلى تفاوت القدرات العسكرية بين إسرائيل وإيران، تشير البيانات إلى امتلاك إسرائيل 340 طائرة قتالية، ومن بين هذه الطائرات طائرات من طراز إف-15 ذات المدى البعيد، وإف-35 عالية التقنية، والتي يمكنها التهرب من أجهزة الرادار، فضلاً عن المروحيات الهجومية، بينما تمتلك إيران حوالي 320 طائرة قتالية، بعضها يعود إلى حقبة الستينيات من القرن العشرين، كما تضم طائرات من طراز إف-4 وأيضاً إف-14 ، والتي من الواضح هذه الطائرات القديمة، لا يمكنها التحليق بعيداً، خاصة مع عدم توافر قطع غيار لها بسبب العقوبات الغربية المفروضة على إيران، مما يضمن التفوق الإسرائيلي في مجال القصف الجوي الدقيق، ما يجعلها أكثر مَيلاً إلى شن ضربات جوية ضد أهداف رئيسية في إيران.
أما القوة البحرية فيضم الأسطول البحري الإيراني نحو 220 سفينة عتيقة، في مقابل نحو 60 سفينة تابعة للأسطول البحري الإسرائيلي، والقوة العددية هنا لإيران لا تمكِّنها وفق مراقبون من خوض حروب نظراً لإفتقارها إلى التقنيات العسكرية الحديثه لقِدَم القطع البحرية.
وحول النظام الدفاعي تمتلك إسرائيل منظومة دفاع صاروخي ” القبة الحديدية” يُعَد بمثابة العمود الفقري للدفاع الجوي الإسرائيلي، دمرت تقريباً كل الصواريخ والمسيّرات التي أطلقتها إيران في السابق، بينما ورغم الإعلان عن إمتلاك إيران مجموعة واسعة من منظومات الدفاع الجوي المتطورة، تتوزع على ما يقارب 3500 قاعدة للدفاع الجوي، تعمل على رصد وتدمير التهديدات الجوية على ارتفاعات ومديات مختلفة، وتوفر حماية جوية للبلاد، فقد نفذت مقاتلات سلاح الجو الإسرائيلي، هجوماً واسع النطاق على منظومات الدفاع الجوي غرب إيران، مما أدى إلى تدمير عشرات الرادارات ومنصات إطلاق صواريخ أرض-جو، مما زاد من فاعلية سلاح الجو الإسرائيلي فوق إيران.
وسواء كانت منشآتها النووية في الأماكن التي أُعلِنَ عنها، أو أن المنشأتين النوويتين الرئيسيتين في إيران تقعان منذ سنوات في أعماق كبيرة تحت الجبال، مما يعيق أي إستهداف إسرائيلي لها، فالسؤال الذي يتبادر إلى ذهني بعد هذا الإستعراض لماذا تُصِرّ إيران على البرنامج النووي طالما أنها لا تمتلك قدرات عسكرية توازي القدرة العسكرية الاسرائيلية؟، فكيف لدولة أعاقتها العقوبات لعقود عن تطوير قوتها العسكرية أن تّقدِم على تصنيع قنبلة نووية، بينما كان يجب عليها أولاً أن يكون لديها قوة دفاعية قوية ومتطورة تقنياً، خاصة مع عدم تمكُّن إسرائيل من شن حرب برية نظراً لبُعد المسافه، وضعف قدراتها على ذلك.
إذا كانت إيران خلال العقود السابقة تحارب إسرائيل عبر وكلاءها في المنطقة، فماذا بعد أن قامت إسرائيل بتصفية قيادات حزب الله، وتدمير جزء كبير من ترسانته الصاروخية، والمواجهة المسلحة مع الحليف الآخر حماس وتدمير قدراته بل وتدمير غزّة، وبعد تدمير بقايا الحرس الثوري الإيراني في سوريا، ومع إستمرار إسرائيل في شن غارات على البنى التحتية والمنشآت، وعدم قدرة إيران _ التي كانت تعلم بالضربة مسبقاً _ على الصدّ، بل ولم تطلق طلقة واحدة لصدّ الهجمات الاسرائيلية، على الرغم من إعلانها مراراً جاهزيتها لصدّ أي هجوم، فعلى من ستعتمد إيران حالياً؟
في النهاية ومع تصاعد العمل العسكري ماذا يمكن أن يحدث _في ظل هذا الواقع المعقَّد _ إذا وقع هامش خطأ قد يجعل المنطقة بأكملها تنزلق نحو مواجهة شاملة قد تكون عواقبها كارثية على الجميع؟، وماذا ستفعل إيران لحفظ ماء وجهها؟ وماذا إذا دفع هذا التصعيد المنطقة إلى حرب مفتوحة وهذا إحتمال قائم؟ وهل يستحق النووي الإيراني مع هشاشة القدرات العسكرية الإيرانية إشعال المنطقة بأكملها وتدمير دولاً تُعَافِر للبقاء، وبقايا دول تحاول إستعادة أنفاسها؟!