البصمة الأولى.. كيف يتشكّل الأثر النفسي للعلاقة الحميمة الأولى؟

بقلم/ احمد حسن
تنويه
هذا تحليل عصبي-نفسي لا يوجّه اللوم، بل يسعى لفهم كيف تنطبع التجربة الأولى في جسد الأنثى ووعيها العاطفي، بعيدًا عن خطاب التخويف أو الإنكار.
فعندما تخوض الأنثى أول علاقة جنسية، لا يحدث التغيير في جسدها فحسب، بل في طبقات أكثر عمقًا من الجهاز العصبي والذاكرة الانفعالية. حيث تتداخل الهرمونات العصبية مع آليات الإدراك والارتباط لتشكّل ما يُشبه البصمة النفسية الأولى.
مما يودي الي ان يُفرَز الأوكسيتوسين المعروف بهرمون التعلّق بكثافة في هذه اللحظة، ويعمل جنبًا إلى جنب مع الدوبامين والسيروتونين على ترسيخ الشعور بالتقارب، والانتماء، والتقدير.
هذه ليست مجرد مشاعر رومانسية، بل تفاعلات كيميائية عصبية تُخزّن في مراكز الذاكرة العاطفية كالحُصين واللوزة الدماغية. ما يُطبع في تلك اللحظة، لا يكون هو” فقط،
بل اللحظة ذاتها بكل ما تحمله من معنى، من إحساس بالاحتواء أو بالخذلان، من توق للتصديق أو صدمة للخيانة، من شعور بالانكشاف أو التملّك.
هكذا يصبح الأثر أكثر من مجرد علاقة، وأقل من أن يكون جرحًا ظاهرًا؛ هو ذكرى حسية معلقة بين الدماغ والجسد، تُستدعى لا بإرادة كاملة ولا بانفصال تام. لهذا يصعب على كثير من النساء #نسيان” العلاقة الأولى،
حتى وإن تجاوزن صاحبها. ليس لأن الجسم خُتم بختمٍ أبدي، بل لأن الوعي خاض تجربة تمسّ الهوية من الداخل، في لحظة كان فيها الجسد هو نقطة العبور إلى القلب.
أما غشاء البكارة، فليس كما يشيع عنه البعض جهاز إنذار أو شيفرة عذرية، بل نسيج بيولوجي لا علاقة له بالذاكرة أو الأخلاق.
ويعد اختزاله كإشارة عصبية هو تشويه مزدوج، للعلم من جهة، وللأنوثة من جهة أخرى. فالمسألة أعمق من مجرد نسيج ممزق، وأقرب إلى تكوين نفسي معقّد، تُسهم فيه العاطفة، والسياق، ودرجة النضج، ومقدار الأمان.
ويمكن الجزم بان جميع النساء لا تتساوى في الأثر. فبين من خضعت لتجربة عن جهل أو كسر أو حاجة، ومن خاضتها عن حب ووعي ومسؤولية، تتباين النتائج، لأن الدماغ لا يحكم على الحدث بل على معناه.
فليست الفضّة” هي ما يُغيّر الفتاة، بل الانطباع الذي يتركه الموقف على وعيها بنفسها، وموقعها، وحدود جسدها، وقيمة عطائها.
وللعلم فان الذاكرة العصبية لا تُخزن الأحداث كصور، بل كمشاعر. وهذا ما يجعل العلاقة الأولى ماثلة، لا في الجسد، بل في التمثّل الداخلي للذات.لذلك قد تنساها الفتاة ظاهريًا، لكنها تعود لا على شكل حنين بل على هيئة حذر أو ميل أو حاجز في علاقات لاحقة.
وهذا الأثر لا يُمحى بالإنكار، ولا يُصلح بالستر الاجتماعي الزائف، بل بالوعي بما حدث، وإعادة تعريف الذات بعيدًا عن محطات التكوين العشوائي.
وهنا تحديدًا، تبرز خطورة تسليع التجربة الحميمة الأولى وتسطيحها في الثقافة الشعبية. فحين تُختزل في مشهد سينمائي، أو أغنية، أو مزحة، فإننا ننزع عنها بُعدها السيكولوجي العميق، وتحوّل الجسد إلى مسرح بلا ذاكرة، والأنثى إلى وعاء بلا أثر.
فكم من أنثى لم تتعلّق بجسد رجل، بل تعلّقت بالصورة التي سمح لها أن تراها في مرآة نفسها، لحظة شعرت أنها مُختارة”. لكنها حين انكشفت أمامه لم تدرِ أن ما تمزق لم يكن الغشاء، بل وهْم السيطرة على ذاتها.
فكل أنثى مرّت بتجربة أولى، ثم كذّبت أثرها، إنما صارت تطارد ظلها الهارب منها، لا منه. وإنكار البصمة الأولى لا يمحوها، بل يضاعف حضورها في اللاوعي.
كأن الجسد حين يَهَب، يكتب وصيته في الذاكرة، لا في الفراش.ولعل أول خيانة للأنثى، ليست من الرجل، بل من وعيها الذي صدّق أن بوسعها أن تعود كما كانت، دون أن تتغير. بينما هي، دون أن تدري، كانت تكتب أول سطر في مذكرات أنوثتها الخفية، بحبرٍ من شهوة، ودمعة، وقليل من دهشة.
هذا المقال محاولة لفهم الأثر، لا لإدانة السلوك، وللتمييز بين التجربة الجسدية كواقعة، والتجربة النفسية كبصمة. وعي الأنثى بهذه الفروق قد يكون أول خطوة في طريق استعادة ذاتها من التشويش العاطفي، لا بوصفها ضحية ولا كمنكفئة، بل ككائن يعيد تشكيل ذاكرته على أسس أكثر وعيًا ورصانة.