د. غادة والي: الحرب تلتهم الكوكب.. وعلى بلدان الجنوب العالمي التحرك دون انتظار مساعدة

وسط حضور رفيع المستوى من رؤساء دول ووزراء ومنظمات دولية وخبراء تنمية من مختلف أنحاء العالم، افتُتحت صباح اليوم في قصر هوفبورغ التاريخي بالعاصمة النمساوية فيينا، فعاليات منتدى صندوق أوبك للتنمية الدولية في نسخته الرابعة، تحت شعار التحول الذي يُمكّن مستقبلنا”، في لحظة فارقة تفرض فيها الأزمات المتداخلة تحديات غير مسبوقة على مسار التنمية المستدامة.

وفي كلمتها الافتتاحية أمام الجلسة العامة رفيعة المستوى، وجّهت الدكتورة غادة والي، المديرة العامة لمكتب الأمم المتحدة في فيينا، نداءً واضحًا إلى المجتمع الدولي “إذا أردنا أن نُحوّل الغد، علينا أن نبدأ التغيير اليوم”. هذه اللحظة هي لحظة حاسمة لتحريك الموارد، وردم الفجوات، وتجديد الثقة في أهداف التنمية المستدامة. فالتراجع ليس خيارًا.

وشدّدت والي على أن العالم يشهد تحوّلات عميقة وسريعة تهدّد مكتسبات التنمية وتزعزع أسس النظام الدولي القائم على القانون، مؤكدة أن أهداف التنمية المستدامة تواجه خطر الإخفاق الجماعي، إذ تشير المؤشرات الأممية إلى أن 17% فقط من أهدافها تسير على المسار الصحيح.

وقالت “الحرب تلتهم الكوكب، وتقوّض أسس القانون الدولي. التحالفات تتغير والدبلوماسية باتت أكثر براغماتية. التكنولوجيا تعيد تشكيل الواقع، وأزمة المناخ لم تعد فرضية بل واقعًا يوميًا”.

وأكدت والي أن التعددية الدولية ليست مجرد مبدأ بل أداة عملية لا بديل عنها، إذا ما أرادت الدول مواجهة التحديات المشتركة بفعالية، قائلة التعددية هي السبيل الأوحد لحشد رأس المال السياسي والمالي الذي تحتاجه التنمية. إنها أداة لتوحيد الموارد، وتحقيق المنافع المتبادلة، وتحويل الأزمات إلى فرص.

كما لفتت إلى حجم الفجوة التمويلية الهائلة التي تعيق التقدم نحو أهداف التنمية، مشيرة إلى تقديرات صندوق النقد الدولي التي تؤكد الحاجة إلى 3.5 تريليون دولار في غضون أربع سنوات فقط لتحقيق تقدّم ملموس في خمسة أهداف رئيسية، في ظل تراجع ملحوظ في التمويل الإنمائي، إذ سجّل العام الماضي انخفاضًا بنسبة 7.1% في المساعدات الإنمائية الرسمية، بحسب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD).

وأشادت الدكتورة غادة والي بالدور المحوري الذي تضطلع به البنوك الإنمائية متعددة الأطراف (MDBs)، وعلى رأسها صندوق أوبك للتنمية الدولية، في تيسير التمويل المبتكر والمُيسّر، وتخفيف أعباء الديون، ودعم النمو المستدام والتحول المناخي العادل. وقالت صندوق أوبك يمثّل نموذجًا عمليًا لقوة التأثير التي يمكن أن تحققها مؤسسة تنموية موجهة للجنوب العالمي، عبر شراكات تشمل 125 دولة.

وأكّدت أن على بلدان الجنوب العالمي أن تتحرك دون انتظار، مضيفة الجنوب لا يستطيع الانتظار حتى تأتيه المساعدة؛ عليه أن يساعد نفسه، ويساعد بعضه البعض. التعاون بين بلدان الجنوب لم يعد خيارًا بل ضرورة وجودية.

كما دعت إلى تعبئة رأس المال الخاص، وتحفيز الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المالية، لتسريع التحول التنموي، مع ضمان سيادة القانون ومكافحة الفساد لحماية الاستثمارات وضمان الشفافية.

وفي ختام كلمتها، حدّدت الدكتورة غادة والي ثلاثة عناصر أساسية ينبغي أن تقود جهود التنمية في المرحلة المقبلة:

♦ الشمولية والمساواة: الاستثمار في المشاريع كثيفة العمالة، وخلق فرص للنساء والشباب، ودعم إصلاحات التعليم والتدريب المهني.

♦ الابتكار: اعتماد أدوات تمويل جديدة، مثل السندات المرتبطة بالتنمية، والاستفادة من التكنولوجيا المالية لضمان الشفافية والكفاءة.

♦ الحوكمة وسيادة القانون: ضمان سلامة الاستثمارات من خلال أنظمة رقابة فعالة ومؤسسات قوية قادرة على مكافحة الفساد.

وختمت والي بتجديد ثقتها في أن المنتدى سيشكّل منصة لانطلاق أفكار طموحة تعيد رسم مسارات أكثر عدالة وازدهارًا، قائلة هذا المنتدى يجمع الشركاء الحقيقيين من الحكومات، والقطاع الخاص، والبنوك الإنمائية. إنه المكان المناسب، والوقت المناسب، لصياغة مستقبل مشترك أكثر خضرة واستدامة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى