البهتان يجمع ما بين الكذب والغيبة .. بقلم الكاتب / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله بيده مفاتيح الفرج، شرع الشرائع وأحكم الأحكام وما جعل علينا في الدين من حرج، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قامت على وحدانيته البراهين والحجج، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، هو المفدى بالقلوب والمهج، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ساروا على أقوم طريق وأعدل منهج، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد لقد حذرنا الله عز وجل من إيذاء الناس من الغيبة والنميمة، ولقد فسر النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم الغيبة بأنها ” ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته” رواه مسلم، وإنما حرمت الغيبة لما فيها من الأذى المعنوي، وأعظم منها البهتان لأنه جمع بين الكذب والغيبة.
والناس كثيرا ما يستهينون بأذية اللسان، مع أنها في كثير من الأحيان أشد مرارة من أخذ المال، أو الإعتداء على الأبدان، والمخالطون للمرء، والقريبون منه أذيتهم أشد حرمة من أذية غيرهم لحرمة قربهم، وعظمة حقهم ولتوقع تكرار وقوع الأذى عليهم فأذية الوالدين عقوق وأذية القرابة قطيعة وأذية الزوج لزوجته سوء عشرة، وأذية الزوجة لزوجها نشوز، وأذية الوالد لولده سوء تربية، وأذية الجار سوء جوار، تذهب أجر كثير من العبادات وتمحو أثرها، ومقتصد محسن لجيرانه، خير من قانت يسيء جوارهم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقة ” رواه مسلم، وعلق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى على هذا الحديث فقال ” فإذا كان هذا بمجرد الخوف من بوائقه فكيف من فعل البوائق مع عدم أمن جاره منه”
وإذا آذت الزوجة زوجها دعت عليها زوجته من الحور العين كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين، لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارق الدنيا ” رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب، وكما أن الجماعة في المسجد يجتمعون للصلاة لا يحل لأحد منهم أن يؤذي غيره بقوله أو بفعله أو حتى برائحتهن ولذا شرع التطهر والتزين للصلاة، فقال الله تعالي ” يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ” وقال النبي صلى الله عليه وسلم ” من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا ولا يؤذينا برائحة الثوم ” رواه مسلم، وفي القرآن الكريم نهي شديد عن أذية أي مؤمن ولو لم تعرفه أو تخالطه، أو كان من غير بلدك، أو يتكلم بغير لغتك، ما دام يحمل وصف الإيمان.
وكم يستهين كثير من الناس بأذية الضعفة والمساكين من الخدم والعمال ونحوهم، ويستحل شتمهم والسخرية بهم، وتسلية نفسه ورفقته بأي أذى يلحقه بهم، وإثم ذلك عظيم، وخطره كبير لأن الله تعالى يقول ” والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ” وخطب النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فنادي بصوت رفيع فقال ” يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفضي الإيمان إلي قلبه لا تؤذوا المسلمين ” رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب، ولشدة النهي عن أذية المؤمن فإنه يحرم سب ميت مات على أسوأ حال، إذا كان ثمة حي يتأذى بسب ذلك الميت كأهله أو ولده أو قريبه، وفي ذلك يقول النبي صلي الله عليه وسلم ” لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء ” رواه أحمد.