نادية هارون تكتب: لا للتفرقة بين سُنَّة وشِيعة .. هذا وقت ينفعُ الصَّادقينَ صِدْقَهُم

تتواصل المواجهة العسكرية غير المسبوقة بين إيران والكيان الصهيوني منذ أسبوع، ومع إستمرار إسرائيل بتنفيذ ضربات طالت مواقع عسكرية في إيران التي ترد بسلسلة من الضربات الصاروخية أصابت مواقع حيوية في إسرائيل، يبدو أن القتال لا يزال يقتصر على الطرفين، بينما وفي الأمم المتحدة ودولًا عدَّه، تصدر دعوات كثيرة لضبط النفس.
ورغم النفي الأمريكي، فإنه من الواضح إشتراك الولايات المتحدة في الحرب ضد إيران ولو بالدعم العسكري لإسرائيل، ولكن.. ماذا لو أقدمت إيران على ضرب أهداف أمريكية في الشرق الأوسط، مثل معسكرات القوات الخاصة في العراق، والقواعد العسكرية في الخليج، والبعثات الدبلوماسية في المنطقة؟ وماذا لو أن وكلاء إيران في المنطقة مثل حماس وحزب الله والفصائل الموالية في العراق قامت بهجمات مع العلم أنها مازالت مسلحة ومتواجدة بل وعلى أهبة الإستعداد للإشتراك؟، وماذا لو وجد ترامب نفسه متورطاً في الإشتراك بشكل مباشر في الهجمات على إيران؟
نعم توقعت الولايات المتحدة إحتمال وقوع مثل هذه الهجمات، وقد حذرت واشنطن إيران بشدة من عواقب أي هجوم على أهداف أمريكية، وكإجراء وقائي أجْلَت أمريكا مواطنيها من إسرائيل، لكن مع ضغط نتنياهو واللوبي اليهودي في أمريكا وعدد من الجمهوريين الذين يدعمون إسرائيل على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – خاصة وأن الولايات المتحدة وحدها تملك القاذفات والقنابل الخارقة للتحصينات القادرة على اختراق أعمق المنشآت النووية الإيرانية، وخاصة منشأة فوردو المستهدفه بالتدمير – ربما إشتركت الولايات المتحدة بحجة حماية مصالحها وحماية دول الخليج مقابل ما منحوه لترامب من أموال.
وماذا لو أغلقت إيران مضيق هرمز المُتَحَكِّم في 40% من حركة الصادرات النفطية عالميا؟ وماذا لو كثّف الحوثيون في اليمن هجماتهم على الملاحة في البحر الأحمر؟ وماذا لو نجحت إسرائيل في تحقيق هدفها بإسقاط النظام في إيران وما سيُخَلِّفه من فراغ قد يترتب عليه صراع في الداخل الإيراني؟.
التساؤلات والتكهنات باتت هي الحوار الدائر بين الفئات المختلفة، والجميع يترقب ما ستؤول إليه مجريات الأمور، وأنه ربما يكون هناك تصعيدًا كبيراً قد تكون له تبعات طويلة الأمد ومدمرة، سيكون لها تأثير ليس على دول الخليج وحدها التي دعمت الولايات المتحدة والتي تحوي مواقع عسكرية أمريكية من المؤكد أنها ستُستخدم في توجيه الضربات على إيران، بل وعلى العالم بأثره خاصة مع إرتفاع أسعار النفط وما يترتب عليه من إرتفاع تكاليف المعيشه.
الغريب والحال هكذا نشهد على السوشيال ميديا دعوات بهلاك كلا البلدين بزعم أن إيران دولة شيعية، للأسف فإن من مساويء تناقل وسائل المعرفة في شتى بقاع العالم إخضاع الأديان للمناقشة، وخاصة الدين الإسلامي فلا يتوقف الأمر عند الجدل بين السنة والشيعة فقط، بل يمتد هذا الجدل داخل كل مذهب، بل ويصل أحياناً إلى تكفير المسلمين بعضهم بعضًا، ومع ما تشهده الدول الإسلامية الآن من حالات من التوتر الطائفي والمذهبي التي قد تصل لحد الصدام الفقهي والسياسي.
على مدار التاريخ حدثت العديد من الصدامات بين الشيعة والسنة تبادل فيها كلا الطرفين الاتهامات، ونعم ساعدت الثورة الإسلامية في إيران الجماعات الشيعية في الدول العربية على تأجيج الخلاف بين السنة والشيعة – بعد فشل الثورة في الخروج من حدود إيران – وصل إلى صراع سياسي ومواجهات مسلحة.
وهنا أقول ما قاله أئمتنا من قبل أن الخلاف بين السنة والشيعة لم يكن خلافاً حول الدين، فالفقهان –السني والشيعي- متقاربان بنسبة 80% وذلك لأن المصدر الأصلي واحد، وهو الوحي الإلهي المتمثل في القرآن والسنة، والأهداف الأساسية والمقاصد الكلية للدين واحدة عند الطرفين، وكلاهما يؤمن بالله تعالى وبمحمد نبيًّا ورسولًا وغيرها من الفقه والعقيده، علاوة على ذلك، فإن الخطر الداهم الذي يهدد الأمة بجميع طوائفها وفرقها، لا يفرق بين سني وشيعي، ويجدر بنا أن نَحْذَر الوقوع في شَرَكِ العبث بإستقرار الأوطان، وإستغلال الدِّين في إثارةِ النَّعرات القوميَّة والمذهبيَّة.
إن لم ننبذ تلك الخلافات ونقف له بالمرصاد، لإجتمع علينا أعداء الإسلام، وهذا عاملًا مهمًّا داعيًا لوحدة الأمة الإسلامية بجميع مذاهبها ومدارسها وطوائفها، وضرورة تجاوز الصِّراعات التاريخيَّة والمعاصرة بكلِّ إشكالاتِها وما خَلَّفته من آثار سيئة، بل علينا نبذ أي خلاف داخل البلد الواحد أو بين البلدان، فهذا وقت الأولوية فيه للأُلفَة والإجتماع والإتحاد، ووقفِ خطابات الكراهية، وأشكال الإستفزاز الديني والسياسي، وضرورة تماسكنا وتمسُّكنا بقيم التقارب الفكري والديني.
وفي النهاية هذا وقت ينفعُ الصَّادقينَ صِدْقَهُم، وأنه على كل من يروج هذه الدعوات أن يحفظ حديث النبي “صلى الله عليه وسلم” حين قال: ” من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فذلكم المسلم الذي له ذمة الله ورسوله فلا تخفروا الله في ذمته”.