حين لا تكون الخيانة خيانة بل انكشاف لعجزه عن رؤيتك .. بقلم الكاتب: أحمد حسن

لم تكن الخيانة يومًا مجرد فعل. إنها انهيار داخلي يصعب وصفه بلغة العتاب. لأن الطعنة الحقيقية لا تأتي من الظهر فقط،
بل من اليد التي اعتدنا أن نتمسك بها حين نخاف السقوط. لذلك تسأل المرأة بصوتٍ مخنوق: “أنا فيّا إيه ناقص علشان يخون؟”
لكن السؤال رغم بساطته، ليس بحثًا عن إجابة. إنه نداء مرير لاستعادة هوية تاهت في زحام الشعور بالخذلان.
غالبًا، لا تصل المرأة إلى هذا السؤال إلا بعد أن استنزفت كل طاقتها:
صبرت
غفرت
اجتهدت في إصلاح ما لم تفسده.
كما أدت أدوارًا متداخلة: أم، حبيبة، صديقة، معالِجة نفسية، حتى نسيت أنها إنسانة. ثم في لحظة، تجد نفسها أمام رجل اختار أن يغادر دون سببٍ مقنع
أو بأسوأ الأسباب: خيانة صامتة، أو اهتمام عابر لامرأة أخرى، أو حتى انسحاب غير معلن.
إن ما يكسر المرأة في الخيانة ليس الفعل وحده، بل الرسالة الخفية التي يوصلها هذا الفعل: “أنتِ لا تكفين.” كأن كل العطاء والحب والتضحيات تحوّلت فجأة إلى لا شيء.
وكأن وجودها نفسه، لم يكن كافيًا ليمنع الغياب. وتلك الفكرة، حين تستقر في العقل، تصبح خيانة ثانية لكن من النفس هذه المرة.
في لحظات الانكسار، تبدأ المرأة في محاكمة ذاتها بمحكمة بلا عدل
هل كنتِ جميلة كفاية؟
هل كنتِ قوية أكثر مما ينبغي؟
هل أعطيتِ أكثر مما يجب؟
هل تنازلتِ؟
هل بالغتِ؟
وهكذا تدخل دوامة لا تنتهي، تجعلها تظن أن العيب فيها. رغم أن بعض الرجال لا يخونون لنقص في المرأة، بل لهروبٍ من أنفسهم. لا يبحثون عن الأفضل، بل عن المختلف، ولو كان تافهًا.
الخائن لا يحتاج مبررًا خارجيًا، لأنه غالبًا لا يملك نضجًا داخليًا. فالخيانة في كثير من الأحيان لا تكون بسبب قلة الحب، بل بسبب قلة الوعي.
وكم من امرأة أحبت بعمق، فوجدت نفسها متهمة بالبلاهة! وكم من رجل خان، لا لأنه لم يُعطَ ما يكفي، بل لأنه لم يعرف كيف يصون ما أُعطي.
وللعلم المرأة لا تنهار فقط لأن أحدهم خانها، بل لأنها خانت نفسها وهي تبرر له، وتلتمس الأعذار، وتكتم الخذلان. فهي بطبعها معتادة على أن تشيل” كل شيء، حتى الألم.
لكنها في لحظة وعي تدرك: المشكلة لم تكن فيها، بل في من لا يعرف كيف يرى قيمتها.
لم تكن ناقصة، بل كانت تعطي أكثر مما يحتمل. لم تكن ضعيفة، بل قوية بشكل أخاف رجلًا لا يعرف كيف يتعامل مع القوة الناضجة.
وهكذا، تتحوّل الخيانة من خنجر في القلب إلى درس في الإدراك. وتفهم المرأة أن الشجاعة لا تعني أن تكمل مع من كسرها،
بل أن تكملي بدون أن تفقدي نفسك. أن تري في كل ندبة مرآة لقوة لا تُرى، لا لنقصٍ يجب إخفاؤه.
وحينها فقط، ينتهي السؤال:
أنا فيّا إيه ناقص؟
ويبدأ سؤال آخر أكثر إنصافًا: “كم كنت عظيمة، حين ظننت أني ناقصة، فقط لأن أحدهم لم يعرف كيف يراني؟