ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير .. الكاتب / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين الذي أنزل شريعة الإسلام هدى للناس ورحمة للعالمين، وجعلها لنا صراطا مستقيما يهدي بنا إلى سعادة الدارين، والشكر له أن هدانا إلى الإسلام، وفضلنا على العالمين أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله إمام الخاشعين، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبون الطاهرون، الحافظين لحدودك يا ربنا والخاشعين لك، وبعد فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله في أنفسكم، وفي صلواتكم لتفلحوا في دنياكم، ثم أما بعد لقد إنتشر الأذى في المجتمع بين الناس بصورة مخزية في زماننا وأصبح إيذاء الأخرين أمرا سهلا هينا بلا شعور وبلا وعى لذا حرّمت الشريعة الإسلامية كل ما يؤدي إلى مضايقة المسلم في مشاعره وأحاسيسه، ومن أخطر صور الأذى هو إيذاء الملك عز وجل.
ورسوله المصطفي صلى الله عليه وسلم مثل سب الدين عيانا بيانا في الشوارع والطرقات بلا خجل ولا خوف وكسب الدهر في الحديث القدسي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى ” يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ” وكعدم إحترام المساجد فقيل أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنك قد آذيت الله ورسوله” وكما أن من صور الأذى هو عدم إحترام الطريق ورمي النفايات فيها بلا مبالاة ولا إحترام والنظر إلى المحرمات وغير ذلك لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أمط الأذى عن الطريق، فإنه لك صدقة” وقال صلوات الله وسلامه عليه ” بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخذه فشكر الله له فغفر له” ومن أخطر صور الأذى هو إيذاء الجيران.
فجيران اليوم لا يقبلون عذرا ولا يغفرون ذنبا ولا يسترون عورة وإنتشرت بيهم الأحقاد والضغينة إلا ما رحم الله، وإن أحدنا إذا رأي لجاره خيرا كتمه، وإذا رأي لجاره شرا أذاعه، وإن جاري وجارك قد يموت ولا نعلم بمرضه ولا موته، وإن أحدنا لا ينام الليل من شدة الحزن، إذا رأي جاره في خير ولا يغمض له جفن، وإذا رأي جاره في مصيبة نام قرير العين هنيئا، لذا نفى النبي صلى الله عليه وسلم تمام الإيمان عن كل إنسان من شأنه أن يلحق الأذى بجاره فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن” قيل من يا رسول الله؟ قال “الذي لا يأمن جارُه بوائقه ” أي غوائله وشره، وكما أن المسابقة في عمل الخير هي من أسباب تفريج الكرب وستر العيب وذلك من صفات أهل الإيمان حيث قال الله تعالى.
” ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ” والله تعالى قد وعد أنه يجزي بالإحسان إحسانا، وأن المؤمن الصادق هو من يحب الخير لنفسه وللآخرين، بل ويسعى إلى تفريج الكربات عن الناس، حتى ينال من ربه حسن الجزاء وفيض العطاء في الدنيا والآخرة، وروي عن الحسن رضي الله عنه مرسلا قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “داووا مرضاكم بالصدقة ” وكما أن حب الخير والمسارعة إليه هو سبب لقبول الدعاء، وقيل أنه في عام من أعوام المجاعة رأى رجل من بني إسرائيل جبلا من حصى ورمال وأحجار، وليس في يده ما يعطي الفقراء، فقال يا رب وعزتك وجلالك لو كان هذا الجبل طعاما لوزعته على عبادك إبتغاء مرضاتك، فقال الله يا موسى، بلغ عبدنا أنا قد قبلنا منه صدقته.
وكما أن المسارعة إلى الخيرات والمبادرة إلى عمل الصالحات هي سبب للسعادة في الدارين، والمؤمن يؤجر على نية الخير وأن لم يفعله، وإذا ما إنقطعت صلته بالدنيا لن يتبقى له منها إلا ما قدمه فيها من صالحات وما فعله فيها من خيرات، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا مات الإنسان إنقطع عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية و علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ” رواه مسلم واحمد، ويدل هذا الحديث على إستثناء الأعمال الخيرية التي يستمر نفعها بعد موت صاحبها أنها لا تنقطع بموته بل يستمر أجرها ما دام ينتفع بشيء منها ولو طال بقاؤها، وأنها يتجدد ثوابها بتجدد نفعها، وهذه الأشياء هي الصدقة الجارية والعلم الذي ينتفع به والوالد الصالح الذي يدعو لك، ولقد حكى لنا النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم قصة رجل دخل الجنة لم يعمل في الدنيا خيرا قط.
إلا أنه كان يتجاوز عن المعسرين فكان ذلك سببا لأن يتجاوز الله عنه، وحكت كتب السنة عن الصحابة الكرام الذين ضربوا أروع الأمثلة في المسارعة الى الخيرات، وفعل الخيرات في ديننا له سبله المتنوعة وطرقه المتشعبة فلا يتوقف عند الزكوات والصدقات بل يتعداها إلى كل قول حسن وكل فعل طيب، فالعقبى الحسنة لمن سابق الناس في فعل الخيرات وإجتناب المنكرات، فبادر أيها الحبيب إلى الخيرات وسارع إلى الصالحات، لتنال البركات وتستجاب منك الدعوات وتفرج لك الكربات وتنل المرضات من رب البريات.