ذو القلب المحموم واللسان الصادق .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأصلي وأسلم وأبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن إهتدى بهديه إلى يوم الدين أما بعد، لقد أمرنا الإسلام بالإبتعاد عن أذي الناس، وعن ابن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” خير الناس ذو القلب المحموم واللسان الصادق” قيل ما القلب المحموم؟ قال ” هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد” قيل فمن علي أثره؟ قال ” الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة ” قيل فمن علي أثره؟ قال ” مؤمن في خلق حسن ” فهذه كلمات ينبغي أن تكتب بماء الذهب، ونور لا يخرج إلا من مشكاة النبوة، وإنها دعوة لإرشاد النفس إلى طريق الخير، دعوة إمتزجت بكل الإخلاص.
بعيدة عن الهتافات والشعارات الجوفـاء التي خالطها الرياء فلم يبق فيها من الخير شيئا، فيقول صلى الله عليه وسلم ” خير الناس ذو القلب المحموم واللسان الصادق” فالقلب العامر بنور الإيمان هو المعيار الأساسي للتقوى، فقال صلى الله عليه وسلم ” التقوى هاهنا التقوى هاهنا وأشار إلى صدره ” فأمر الإيمان ليس بكثرة الأعمال الظاهرة، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، فيقول صلى الله عليه وسلم ” ألا وإن في الجسد مضغه، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ” لذلك كان صلاح القلوب بالطاعات الشغل الشاغل للمؤمنين الصادقين، وقال إبراهيم الخواص دواء القلب في خمسة أشياء، قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسه الصالحين، والذنوب للقلب بمنزلة السموم
إن لم تهلكه أضعفته ولابد، والضعيف لا يقوي علي مقاومة العوارض، وقال ذو النون المصري ” سقم الجسد في الأوجاع، وسقم القلوب في الذنوب” فكما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه، كذلك لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب، والقلوب الفارغة من طاعة الله تعالي موكله بالشهوات التي هي سبب هلكتها وعطبها، وكيف الرحيل بلا زاد إلى وطن ما ينفع المرء فيه غير تقواه، ومن لم يكن زاده التقوى فليس له يوم القيامة عذر عند مولاه، قيل ما القلب المحموم؟ قال هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد” وإنه القلب الخالي من آفات وأمراض القلوب كالبغي والغل والحقد والحسد، فهو القلب السليم التقي النقي الذي لا يفلح ولا ينجو يوم القيامة إلا صاحبه، قال تعالى ” يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ” وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال.
كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ” يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة” فطلع رجل من الأنصار، ينظف لحيته من وضوئه، قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال إني لاحيت أبي، فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال نعم، قال أنس رضي الله عنه وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر.
قال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال، وكدت أن أحتقر عمله، قلت يا عبد الله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ثم، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات ” يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة” فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال ما هو إلا ما رأيت، قال فلما وليت دعاني فقال ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله رضي الله عنه هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق”