العقل بين الإعمال والاهمال :

هل حقا الإنسان في حاجة إلى إعمال عقله ، أم أن الحياة باتت كروتين محفور في الوجدان وأصبح لا حاجة لإعمال العقل، وهل العقل في حاجة إلى دافع لاعماله، أم أن الأمور تسيير بتلقائية دون تدبر ووعي .

الحقيقة بنظرة تأمل وتعمق أصبح الكثير من البشرية يتصرفون وكأن هذا هو الواجب والمعتاد ، وكأنهم يعبرون بتصرفاتهم أن هذا ما وجدنا عليه آباءنا ولا حاجة لنا في التغيير ، إذ برؤية الروائي والكاتب والشاعر بنظرته المتأملة والمتعمقة يجد وكأن العقل وقف لدى العديد من البشرية عند مرحلة لا يريد أن يتخطاها فما كان بالأمس صار اليوم وسيكون غدا، فمن التزم المصطبة تراه يوميا جالسا عليها ومن التزم الحرفة تراه لا يبتكر فيها جديد، ومن التزم الزراعة تراه وكأن تلك مهنته ولا يريد الخروج عنها، والعديد من المهن والمجالات يلتزمون مقاعدهم دون جديد يبتكرونه؛ والحقيقة هذا الجمود يؤود الفكر إلي الجمود، وبالتالي يصل بالمرء إلى التوقف والثبات على حاله، لذا على الإنسان أن يعصر عقله ويفكر ويتأمل دائما ويحاول مرارا وتكرارا في التفكر ليكون بين يديه جديد ليس فقط في تغيير حالته المادية بل أيضا حالته المعنوية، فالتفكر والتدبر يجعل من المرء تغيير في البناء الحسي حيث التقرب إلى الله سبحانه وتعالى؛ لذلك جاء القرآن الكريم بالحض على إعمال العقل والتفكر والتدبر واليكم قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ” أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها” . وقوله تعالى” أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ” {الحج:46}. والملاحظ أن تلك الآية الكريمة فيها دلالة واضحة على أن القلب ليس مجرد عضو في البدن، أو مضخة للدم، بل له تعلق مباشر بالعقل. وقوله تعالى”أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا”.) وقوله تعالى” الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” .

الحقيقة أن الآيات القرآنية الكريمة والتي حضت على إعمال العقل واضحة في مدلولها فعلى المرء أن يعمل عقله ويفكر ويتأمل في كل أمور حياته، وعليه أن يتعظ بأحوال من حوله
وان يسعى جاهدا لطلب الرزق الحلال وان يجاهد النفس الامارة بالسوء وان يفكر كيف ينهض بحياته للأفضل والاحسن في إطار المشروع دون المحظور، فالمرء مكلف بالسعي دون التحايل والحيل ، لقوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ” وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ (41) وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ (42)”. صدق الله العظيم.

فإهمال العقل كارثة تؤدي بصاحبها إلي الهلاك وعدم التقدم والازدهار وادارك الواقع وما سيؤول إليه، هذا اذا ما كان عاقلا ام المجنون أو فاقده لدرجة تعجزه عن الإعمال بسبب المرض فلا حرج عليه.

أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد في الأمر وحفظ العقل والعمل على إعماله . بقلم الدكتور محمد عويان المحامي بالنقض 01004820476

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى