محمد دياب
عندما أسمع وأرى أولئك اليهود الإسرائيليين على قنوات الأخبار، وأشمّ في أنفاسهم ونبضاتهم الغِلّ
والحقد والكره لنا، وأذكر أصولهم العربية، على طول الوطن العربي وعرضه، وأذكر أنهم كانوا يعيشون
بيننا، ولطالما قلنا ذلك ورددناه في فخرٍ، وانشراحِ صدرٍ، مودةً وتسامحًا، وحُسن عشرةٍ وجوار، أقول في
نفسي، وبعد الحاصل الآن، متسائلًا في ألمٍ ومرارةٍ: أهؤلاء حقًّا كانوا يعيشون بيننا؟! نتشارك معهم في
الطعام والشراب والهواء والمناسبات والمعاملات؟!
ثم أتساءل ثانيةً: هل سيأتي علينا وقتٌ ونسمعهم يقولون، ويفخرون: العرب يعيشون بيننا في أمنٍ
وأمانٍ؟! هل بِتنا على بُعد مرمى حجرٍ، وبضع خطواتٍ من أن نُصنّف جميعًا كعربٍ في دولة إسرائيل، مثل
عرب 48؟! تصوّر مفزع، وتخيّل يفوق الجنون، لكنه ربما يكون ممكنًا في ظل هذا الواقع العربي المأزوم،
وقبح الأصابع الإسرائيلة التي تعبث وتلهو فيه، على طوله وعرضه. إذا لا يُشترط أن تكون الحدودُ
إسرائيليةً حتى نكون داخلها، ولكن يكفي شعورُنا المادي بالهيمنة الإسرائيلية، فُرقةً وعجزًا، حتى نكون
عربًا داخلها.
باتت لديّ القناعة التامة أن اليهود، وبعيدًا عن أطماعهم الجغرافية المعلنة رسميًّا، وحتى الطامحة إلى ما
هو أبعد منها، في ثأرٍ تاريخي معنا، يدفعهم في ذلك حقدٌ بغيضٌ دفينٌ، بات معلنًا، حقدٌ يغلّف تهديداتهم
التي لا يملّونها ليل نهار. وأنهم يعملون على قلب الموازين، وإعادة تدوير القناعات التاريخية، والتي كانت
دهرًا راسخة، ووعتها وحفظتها الأجيالُ والأممُ، وتصديرها في ثوبٍ يهوديٍّ جديدٍ، ولسان حالهم: لطالما كنا
نعيش بين العرب، وفي كنفهم، لمَِ لا يصبحون هم الآن في كنفنا؟! فبدلًا من أن نكون مكونًا من مكونات
المجتمع العربي، ويفخرون بتسامحهم معنا، وإحسانهم إلينا، يكون العرب على كثرتهم أحد مكونات أمتنا
ومجتمعنا، ونتسامح معهم، ونُحسن إليهم؟! إلى آخر ذلك من أفكارٍ لطالما ظلت تطارد عقولهم الشاذة
المريضة. وفعلًا نلمح شيئًا من ذلك، ويتخدونه منطلقًا، ويصدّرونه للعالم، عند حديثهم عن عرب 48 كمكوّنٍ
من المجتمع الإسرائيلي، له نفس حقوق المواطن اليهوي -كذبًا- وعليه نفس الواجبات. ورغم استحالة
وقوع أفكارهم الشاذة تلك واقعًا، إلا أنهم -ويُحسب لهم- ظلوا ولعقودٍ من الزمان يحثّون الخطا نحوها
بالعلم والعمل والصبر والنفس الطويل، وبالأسافين والفتن وإثارة القلاقل، أعانهم عليها بعضُ بني جلدتنا
ممّن باعوا ضمائرهم ودينهم وأمتهم بثمنٍ بخسٍ، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، إلى قطافٍ ذُلّلت
لهم تذليلًا.
والسؤال: أنحن اليوم أمام سنّةٍ من سنن الله في خلقه تتحقق فينا نحن، دون سوانا، إذ أخذت
الدائرة الآن دورتها، لنكون تحت هؤلاء كما كانوا قبلُ تحتنا؟! أم أن يقيننا وعقيدتنا بأنه سبحانه لن
يجعل لهم علينا سبيلًا، “ولن يجعلَ الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا”؟! لكن، وبيتُ القصيد، أنحن
مؤمنون حقًّا حتى يتحقّقَ فينا وعدُ ربنا هذا؟!
تم نسخ الرابط