مصطفى أمين يكتب” زيارة لقلب عبدالحليم حافظ”

رانيا البدرى
احتضن الكاتب الكبير مصطفى أمين المطرب الشاب عبد الحليم حافظ إعجابا بصوته وطموحه وإصراره على أن يكون له مكان متميز بين حيتان الغناء الكبار، ولهذا قرر أن يحتضنه ويرعاه، وروى عنه الكثير في فصل بعنوان «زيارة لقلب عبد الحليم حافظ» في كتاب «مسائل شخصية»، فقال من بين ما قال: «دخل مكتبي في أخبار اليوم شاب صغير رقيق متواضع وقال أنا عبدالحليم حافظ، كان حجمه الصغير يخفى عمره، وقال لى «جئت لأطلب مشورتك.. ماذا أفعل لأنجح؟».
فقلت «لا تقلد أحدًا، كن عبد الحليم حافظ فقط فكل من قلدوا عبد الوهاب ماتوا»، وتصورت أننى قدمت لعبد الحليم أعظم نصيحة وإذا بى اكتشف أننى قدمت له مصيبة، فحين تعاقد معه المتعهد صديق أحمد على أن يغنى ثلاثين ليلة بالمسرح القومي بالإسكندرية، وقف يغنى يا حلو يا أسمر، وصافيني مرة، وإذا بالجمهور يصيح طالبًا أغانى عبد الوهاب، ورموه بالبيض والطماطم، نزل عبد الحليم من على المسرح وهو يبكى، لكنه لم ييأس أبدًا وظل يقاوم ويقاوم ويحاول.
وعرفته فى بداية حياته شابا يخطو خطواته الأولى، ولم يكن الطريق سهلا بل كان مليئا بالصخور والأهوال، ثم رأيته يبكى على كتفى والسكاكين تغمد فى ظهره لكنه لم ييأس ولم يتراجع، بل مضى يشق طريقه بدمه ودموعه وعرقه وصحته وعناده وصبره، ووصل إلى القمة وهبت عليه الأعاصير والزوابع وتشبث مكانه ودافع عن مجده، بل حاور وناور وتقدم وتأخر واستطاع أن يصعد من قمة إلى قمة.
عرفته منذ سنوات طويلة عاشها محروما من أن يأكل ما يتمنى، مسجونا داخل زجاجة دواء، أقراص الأدوية لا تفارقه ليل نهار، أعرفه يبتسم ويضحك ودمه ينزف وجسمه يتمزق، هو أقوى من المرض لكن أضعف من الموت.وذات يوم أعطيت إجازة إجبارية من عملى فى أخبار اليوم وحددت إقامتي في بيتي، وكان عبد الحليم حافظ يزورني كل مساء ويبقى عندى إلى ساعة متأخرة من الليل، وقال لى أطباؤه إنه يجب ألا يسهر فكنت أصر على أن ينصرف عند منتصف الليل، وكان يعارض قبل أن ينصرف إلى بيته فألح عليه، وقال إنه يكره أن يضع رأسه على الوسادة لأنه حينئذ يشعر أنه لن يقوم ثانية ولهذا لا يدخل إلى السرير إلا إذا أصبح عاجزا عن أن يقف على قدميه، هذا الشعور باقتراب الموت كان يسيطر على حليم، وكان يخفيه عن أقرب الناس إليه حتى لا يزعجهم، كان يقاوم الموت بشجاعة مذهلة، فلا يكاد يفتح عينيه بعد إغماءة طويلة إلا ويفكر فى لحن أو فيلم جديد.