يوم تبدل الأرض غير الأرض .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله أعظم للمتقين العاملين أجورهم، وشرح بالهدى والخيرات صدورهم، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وفّق عباده للطاعات وأعان، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله خير من علم أحكام الدين وأبان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الهدى والإيمان، وعلى التابعين لهم بإيمان وإحسان ما تعاقب الزمان، وسلم تسليما مزيد ثم أما بعد روي عن أبي ذر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذابٌ عظيم، قلت يا رسول الله من هم خابوا وخسروا؟ قال فأعادها رسول الله ثلاث مرات ثم قال المسبل، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، والمنان” رواه مسلم، فيا عباد الله لا تغرنكم الحياة الدنيا، فإنه “كل من عليها فان” وكل حي سيفنى وكل جديد سيبلى، وما هي إلا لحظة واحدة. 

تخرج فيها الروح إلى بارئها، فإذا العبد في عداد الأموات، فقد ذهب العمر وفات يا أسير الشهوات، ومضى وقتك في سهو ولهو وسبات بينما أنت على غيك حتى قيل مات، ولقد ذهبت الشهوات ومضت الملهيات وبقيت التبعات وطويت صحيفة العبد على الحسنات أو السيئات، والموت ليس نهاية الحياة بل هو بداية رحلة طويلة إلى الدار الآخرة، ومن مات قامت قيامته، فإذا مات العبد، نزل أول منازل الآخرة، والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، ينزل فيها العبد وحيدا فريدا لا أنيس له ولا رفيق إلا عمله الصالح، ولا تزال الأرض تستودع ما يدفن فيها من الأموات، حتى يشاء الله أن تقوم الساعة، فيأمر إسرافيل عليه السلام بالنفخ في الصور، فإذا نفخ إسرافيل في الصور النفخة الأولى نفخة الصعق، صعق الناس وماتوا، وإنتهت الدنيا بأكملها. 

وكل ما تراه سيفنى، ولن تبقى القوى البشرية ولا قدراتهم التكنلوجية ولا وكالاتهم الفضائية ولا مراكبهم وأقمارهم الصناعية، حتى إذا مات الأحياء كلهم، ولم يبقي إلا الله جل جلاله نادى سبحانه وتعالي لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد، فيرد تعالى على نفسه ” لله الواحد القهار” فأين ملوك الأرض؟ وأين الجيوش الجرارة؟ وأين الدول العظمى المتجبرة؟ لا شيء إلا الله عز وجل حيث يقول تعالي ” وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه عما يشركون” ويرسل الله تعالي المطر بين النفختين، فينبت الناس من عجب الذَّنب كما ينبت البقل وكل إنسان يفنى ولا يبقى منه إلا عجب الذَّنب، وهو العظم الصلب المستدير الذي في أصل العجز والذَّنب، إلا الأنبياء. 

فقد حرّم الله تعالي على الأرض أن تأكل أجسادهم، فإذا نبتت أجساد الخلق، نفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية، نفخة البعث فتتطاير الأرواح وتعود إلى الأجساد فإذا هم قيام ينظرون، ينفضون التراب عن رؤوسهم، وأول من يبعث رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو أول من تنشق عنه الأرض، كما جاء في الصحيحين، ثم يخرج الناس جميعا من قبورهم حفاة عراة غرلا أي غير مختونين، فيحشرون على أرض غير هذه الأرض ” يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار” وروى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ” يعني كالخبزة المصنوعة من الدقيق النقي ليس فيها علم لأحد، أي علامة بناء أو أثر، 

ويجتمع الناس في ذلك الموقف العظيم على صعيد واحد، فيغشاهم من الكرب ما يغشاهم، ويصيبهم الرعب والفزع، يشيب الولدان، وتشخص الأبصار، وتبلغ القلوب الحناجر، والشمس كورت، فإستدارت وذهب ضوءها والنجوم انكدرت وتناثرت، والجبال نسفت وسيّرت فأصبحت كالقطن المنفوش والعشار عطلت، والأموال تُركت، والتجارات والعقارات والأسهم نسيت والسماء كشطت ومسحت وأزيلت والبحار سجرت وإلى كتل من الجحيم تحولت والجحيم سعرت وأوقدت والجنة أزلفت وقُرّبت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى