الشيخ شعيشع صوت خالد في وجدان الأمة الإسلامية

ذكرى رحيل أحد أبرز أعلام التلاوة في العالم الإسلامي، القارئ الشيخ أبوالعينين شعيشع، الذي ترك وراءه إرثا خالدا من التلاوات القرآنية التي خلدت اسمه في قلوب الملايين؛ فكان صوته نداء للسكينة، وقراءته مدرسة يتتلمذ عليها عشاق التلاوة في مختلف أنحاء العالم.
ولد الشيخ أبو العينين شعيشع في الثاني والعشرين من أغسطس عام 1922 بمدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ، وكان الابن الثاني عشر لوالديه، التحق بكتاب المدينة، وحفظ القرآن الكريم على يد الشيخ يوسف شتا، وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، وذاع صيته كقارئ للقرآن عام 1936، وهو في الرابعة عشرة من عمره، وذلك بعد مشاركته بتلاوة في حفل أقيم بمدينة المنصورة.
بدأت شهرته تتسع حين التحق بالإذاعة المصرية سنة 1939، وكان وقتها متأثرا بالشيخ محمد رفعت، وكانت تربطه به علاقة وطيدة، حتى استعانت الإذاعة به لإصلاح الأجزاء التالفة من تسجيلات الشيخ رفعت، فكان من أبرع من قلد صوته، ثم ما لبث أن تميز بأسلوبه الخاص الذي جمع بين تقاليد المدرسة المصرية الأصيلة والابتكار في الأداء والنقلات المقامية، ليصبح أحد أشهر الأصوات التي ارتبطت بالوجدان المصري والعربي، وكانت له مكانة مرموقة، ليس في مصر فحسب بل في العالم الإسلامي.
سافر إلى معظم دول العالم ممثلا لمصر في المحافل الإسلامية، حتى لقب بـ”شيخ دولة التلاوة”، وكان أول قارئ مصري يتلو القرآن الكريم في المسجد الأقصى بفلسطين، وارتفعت تلاوته في أكبر وأشهر المساجد مثل: المسجد الحرام بمكة المكرمة، والجامع الأموي في سوريا، والكاظمية ببغداد، ومسجد المركز الإسلامي بلندن، وغيرها من مساجد شرق آسيا. وقد أسلم على يديه عدد غير قليل من الناس تأثرا بجمال تلاوته.
أصيب الشيخ شعيشع في مطلع الستينيات بمرض في صوته، كاد أن يفقده القدرة على القراءة، لكنه تعافى وعاد إلى التلاوة من جديد، وناضل كثيرا في بداية سبعينيات القرن الماضي من أجل إنشاء نقابة القراء مع كبار قراء القرآن الكريم في مصر آنذاك، وانتخب نقيبا للنقابة عام 1988، خلفا للشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد، وظل في المنصب حتى وفاته، كما كان عضوا بلجنة اختبار القراء بالإذاعة، وعضوا في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وشارك في أعمال رابطة العالم الإسلامي، وعين قارئا لمسجد عمر مكرم بميدان التحرير عام 1969، ثم قارئا لمسجد السيدة زينب عام 1992.
حصل على العديد من الأوسمة والتكريمات، أبرزها: نيشان الرافدين من العراق، وسام الأرز من لبنان، وسام الاستحقاق من سوريا وفلسطين، إلى جانب أوسمة أخرى من باكستان، والصومال، والإمارات.
تزوج الشيخ من “حسنات” – والتي توفت قبل رحيله ب15 عاما – ، حيث عرف بوفائه لزوجته ولم يتزوج بعدها، وأنجب منها ثلاثة أبناء: الدكتور محمد حسام أبو العينين طبيب مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، ومحمود أبو العينين الذي كان يشغل منصب مدير عام بالبنك الزراعي وتوفي لاحقا، ومنى أبو العينين تعمل مترجمة فورية.
رغم شهرته الواسعة، كان الشيخ أبو العينين شديد التواضع، بعيدا عن الأضواء، متمسكا برسالته القرآنية، ظل حتى أيامه الأخيرة يعيش ببساطة، محتفظا بهيبة العلماء وسكينة القراء، لم يكن كثير الكلام، لكن حضوره كان كافيا ليبعث في من حوله وقارا خاصا.
وفي الثالث والعشرين من يونيوعام 2011، ودعت مصر والعالم الإسلامي الشيخ أبو العينين شعيشع عن عمر ناهز التاسعة والثمانين عاما، وشيعته الجماهير في جنازة مهيبة، ودفن في المقابر المجاورة لكلية البنات بالقاهرة، ونعاه كبار القراء والعلماء، مؤكدين أن برحيله فقدت التلاوة أحد أركانها العظام، وأقيمت له صلاة الغائب في مسقط رأسه بمدينة بيلا يوم الجمعة الموافق الرابع والعشرين من يونيو، حيث خصصت خطبة الجمعة لذكر مناقبه ومآثره.
طوى الشيخ شعيشع بجسده صفحات عمر مديد، لكنه أبقى صوته شاهدا على الإيمان والفن القرآني الأصيل، وما زالت تلاواته تتردد في الإذاعات والمنصات، تؤكد أن “كروان دولة التلاوة” سيظل حيا في وجدان الأمة الإسلامية.