قلوب هاجرت النور .. الكاتبة: الزهرة العناق

في دروب الحياة المزدحمة بالأفكار الخبيثة، يضيء القرآن كمرآة تعكس جوهر الإنسان، لا مظهره. وبين صفحاته، نقرأ عن نوعين من الظلام: الكفر والنفاق، كلاهما انطفاء، لكن أحدهما صريح، و الآخر خادع، وكلاهما مآله إلى خسران مبين، إن لم يتداركه نور الهداية.
الكفر رفض علني للحق
الكفر في القرآن هو الوقوف جهرا ضد الله، وضد رسالاته، و إنكار ما فطر عليه القلب. الكافر لا يتستر، بل يعلن استكباره، ويقيم حجته على الوهم. قال تعالى:
“إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون”
فقلوبهم مغلقة، و أذانهم صماء، و أعينهم لا تبصر إلا الدنيا.
لكن رغم قسوة الكفر، فإن الكافر قد يرجى له الهداية إن أقبل بعقل صاف لتشمله رحمة الإيمان.
النفاق في لباس التقوى
النفاق هو الوجه الأكثر خطرا، لأنه يجمع بين اللسان الذي يقول “آمنا”، والقلب الذي يهمس “كفرنا”. المنافق يعيش داخل الصف، لكن ليس من أهله. يخدع الناس، لكن الله يراه.
قال تعالى:
“ومن الناس من يقول آمنا بالله و باليوم الآخر وما هم بمؤمنين”
المنافق لا يصارح، بل يتلون. يصلي مع الجماعة، لكن قلبه معلق بغير الله. يبتسم حين يذكر الحق، لكن في داخله يسخر. لذلك قال الله تعالى عنهم:
“إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار”
فبينما الكافر يعيش ظاهرا ما يبطن، يعيش المنافق حياة مزدوجة لا إخلاص فيها ولا طهر.
الكفر والنفاق: اختلاف في القناع لا في العاقبة
الكفر يعادي الإيمان من الخارج، بينما النفاق يهاجمه من الداخل. والكافر يواجه الحقيقة، لكنه يرفضها. أما المنافق، فيدفنها تحت ألف قناع.
ولهذا كان عقاب المنافق أشد. الكافر قد يخدع نفسه، لكن المنافق يخدع نفسه والناس معا. والمجتمع الذي يكثر فيه النفاق، يفقد توازنه، لأنه لا يعرف من معه ومن عليه.
أثرهما في النفس والمجتمع
الكفر يصنع الظلام، لكن النفاق يصنع الفتن. الكافر يعرف، ويمكن مواجهته. أما المنافق، فيتسلل بين الصفوف، يضعف العزائم، و يبث الشك، و يزرع الخيانة. و لعل من أعظم ما ذكره القرآن عنهم أنهم:
“في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا”
النفاق ليس موقفا فكريا، بل مرض القلب، لا يشفى إلا بصدق التوبة وصفاء النية.
دعوة القرآن لا تزال مفتوحة
رغم بشاعة الكفر، وخبث النفاق، إلا أن القرآن الكريم لا يغلق الباب. يدعو الكافر أن يؤمن، ويدعو المنافق أن يصدق. بل قال تعالى للمنافقين أنفسهم:
“قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله” .فلا أحد يقصى من رحمة الله ما دام في نفسه يبحث عن النور.
أخيرا وليس آخرا، في عالم تتداخل فيه الأقنعة، يظل الإيمان بالله هو النور الذي يكشف الوجوه على حقيقتها. الكفر قد يعلن تمرده، لكن النفاق يخفي خيانته. وكلاهما يغلق باب الطمأنينة، ويصنع حياة باردة، لا معنى لها.
فليكن القرآن مرآتنا، نقرأ فيه أنفسنا، لنبحث عن مواقع الخطأ، قبل أن نفاجأ بحقيقة كنا نخفيها حتى عن أرواحنا.