نادية هارون تكتب: اللَّهم بشماته تزيل ما في القلوب من غيظ .. وتشفي الصدور من كَدَر

محمد دياب

على مدار 12 يوماً هي عمر الحرب الإيرانية الإسرائيلية، وجميعنا يتنقل بين القنوات والمواقع الإخبارية وبين منصات التواصل الإجتماعي، نفرحُ تارةً حين توجه إيران ضرباتها إلى عمق الأراضي المحتلة لتُكَبِّد الكيان الصهيوني خسائر فادحة في المنشآت والأرواح، ونحزنُ تارةً حين يرد جيش الإحتلال بضربات تصيب أهدافاً حيوية في الداخل الإيراني، كانت جولات بحث عن الحقيقة في كل ما يُبثّ، والذي حول تلك المنصات الى ما يشبه مسرحاً إعلامياً درامياً حيناً وحيناً آخر كوميدياً.

كان التضليل الإعلامي سلاحاً أساسياً بيد كلا الطرفين، فكان كليهما يستخدم وسائل الإعلام والتواصل حيث تسعى كل من تل أبيب وطهران إلى استعراض نتائج قصفهما والتضخيم في حجم إنجازاتهما والتلاعب بالحقائق، فتحولت المنصّات الى ساحات أخرى للحرب، وإذا إعتبر كل من إيران والكيان أن السوشيال ميديا سلاحاً في يد كل منهما، فقد كان سلاحاً موجهاً في ظهر الكيان الصهيوني حيث فضح أكاذيبهم ووثق الحقيقة بالصوت والصورة، وأظهر مالحق بالكيان من أضرار بالغة.

وكما وثقت السوشيال ميديا في السابق ما ألحقه جيش الإحتلال من دمار بقطاع غزة، فكانت هنا المفارقات حيث قام رواد المنصّات بنشر ما أحدثته الضربات الإيرانية في الأرض المحتلة وما يقابلها مما سبق وأحدثه جيش الإحتلال بالقطاع، فكان تدمير بنية تحتية هنا يقابله نظيره هناك، وقتل هنا يقابله إستشهاد هناك، غير أنه أظهر أهم مفارقة بين شعبين ففي حين صبّ شعب الإحتلال الجبان جامّ غضبه على حكومته وقام بالهجرة الى الخارج خوفا من ويلات الحرب، كان هناك صمود أهالي غزة وإصرارهم على البقاء وعدم ترك الأرض لمحتل غاصب.

كان مما زاد من حيرة رواد المنصات الإعلامية من محطات فضائية ومواقع إخبارية، هو اللغة المستخدمة فإحداها تبرز تفوق الكيان في إحداث أضرار، وأخرى تظهر حجم ما تسببت فيه إيران من خسائر موجعه لإسرائيل، وبين من تستخدم لغة جيش الإحتلال وأخرى تستخدم جملة “دولة إسرائيل” على الرغم من أنها جميعها منصات وقنوات عربية إلا أنها أظهرت من تمسّك بالثوابت ومن لبس ثوب الخزي والعار.

ومن إيجابيات المسرح الذي نُصِبَ على السوشيال ميديا هو كشف شخصيات كنَّا نَعُدُهم عرباً حقاً لكنهم تباكوا على أطفال إسرائيل تحت القصف وتناسوا أطفال غزة وفلسطين على مدار عقود، رفضوا الشماته في الكيان في حين صمتوا على إستنزاف الشعب الفسطيني وتهجيره وإقتطاع الأرض وقتلهم الأطفال والنساء والشيوخ وتجويعهم وتشريدهم.

وعلى الجانب الآخر شماته أيضا في إيران لما ألحقته بدمار في بعض الدول العربية كسوريا، ومحاولاتها نشر المد الشيعي في دول أخرى وسلوكها العدائي تجاه العرب، وبين هؤلاء وهؤلاء كانت قطر التي إستخدمت القاعدة الأمريكية فيها لتوجيه ضربات من حليفتيها أمريكا وإسرائيل ضد حليفتها إيران، فوقفت لا تدري فيمن تشمت أو على من ترأف.

هنا كان لشيخنا الجليل الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر تصريحه الذي جاء لينصف أهل الدين ولو كانوا على غير مذهب، وأدان إستمرار عدوان الكيان المحتل على الجمهوريّة الإسلامية الإيرانية، مما أراح نفوسنا في أننا لا نخطيء حين نقف في صف إيران كدولة إسلامية، كما جاء تصريح للشيخ أحمد الخليلي، المفتي العام لسلطنة عمان، بوصف الرد الإيراني بـ “الجريء” وبأنه “يسر الخاطر حقاً”، ليرد على من قالوا أن الشماته في الكيان ليست من شيم المسلم.

وفي النهاية فإن كثافة شعور بالشماتة التي تم التعبير عنها في وسائل التواصل الاجتماعي وبعض محطات التلفزيون العربية، كان هو السمة الأساسية في تناول أخبار الحرب، وهنا أقول كيف لنا ألا نشعر بالشماته والفرح في عدو إستراتيجي تاريخه لا يخلو من تدمير وإراقة للدماء الذكية وسلوك تغذّت عليه كراهيتنا للصهيونية والنبي صلى الله عليه وسلم حين قال: “لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك” فهل الصهاينة أخواننا؟! بل عدو لنا أن نشمت ونتهلل فرحاً في أي مصاب يلحق به، فقد قال الله عز وجل “قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ” ففرح المسلمين بمصيبة عدوهم دليل إيمان، فلِنفس المؤمن ألم ولقلبه غيظ جعل الله ذهابه بمصاب عدوه.

فاللهم بشماته تزيل ما في القلوب من غيظ، وتشفي ما في الصدور كَدَر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى