الاتحاد الأوروبي يتجه شرقاً لتسوية التوترات التجارية مع واشنطن بتحالف الآسيان والهادئ

في ظل تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، يتجه الاتحاد الأوروبي نحو آسيا لتشكيل تحالف تجاري جديد يهدف إلى حماية النظام التجاري القائم على القواعد، وتجاوز الجمود الذي أصاب منظمة التجارة العالمية .

وتأتي هذه الخطوة كاستجابة مباشرة للقيود الجمركية الجديدة التي تهدد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرضها، والتي قد تصل إلى 50% ابتداءً من 9 يوليو في حال فشل التوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي .

وبحسب تقرير موسّع نشرته صحيفة “بوليتيكو” الأميركية، فإن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تسعى إلى توثيق التعاون مع تكتل “الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة عبر المحيط الهادئ” (CPTPP)، الذي يضم 12 دولة في آسيا والمحيط الهادئ، بينها اليابان وأستراليا وكندا والمكسيك. ويأتي هذا التوجه ضمن استراتيجية أوروبية جديدة تهدف إلى تنويع الشراكات وتعزيز دور الاتحاد الأوروبي في صياغة نظام تجاري عالمي أكثر عدلاً واستقراراً.

ويمثل الاتحاد الأوروبي وتكتل CPTPP مجتمعين 39 دولة، ويستحوذان على حوالي 30% من إجمالي التجارة العالمية. وترى فون دير لاين أن تشكيل هذا “التحالف القائم على القيم المشتركة” يمكن أن يكون خطوة أولى نحو إصلاح أو حتى استبدال منظمة التجارة العالمية التي تعاني من الشلل المؤسسي منذ سنوات، نتيجة اعتمادها على التوافق ورفض الولايات المتحدة الانخراط في إصلاحها.

وخلال قمة المجلس الأوروبي الأخيرة التى عقدت يوم الخميس الماضى ، صرحت فون دير لاين: “هذا المشروع سيظهر للعالم أن التجارة الحرة بين عدد كبير من الدول ممكنة على أساس من القواعد”، مؤكدة أن “CPTPP والاتحاد الأوروبي يشكلان معاً قوة هائلة، ويجب أن ننخرط بجدية في هذا المسار”.

ويقترح كبار المفاوضين التجاريين السابقين – من بينهم النيوزيلندي تيم غروسر، والكندي ستيف فيرهيول، والأوروبي جون كلارك – أن تبدأ الدول الـ39 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وCPTPP بخطوة أولى تتمثل في توقيع “اتفاق تجميد” (Standstill Agreement) يبقي الأسواق منفتحة فيما بينها، ويبعث برسالة قوية إلى واشنطن مفادها أن الشركاء التقليديين للولايات المتحدة لا يزالون متمسكين بنظام التجارة متعددة الأطراف.

وكانت واشنطن قد انسحبت من الاتفاق السابق المعروف باسم الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) في عام 2017، بعد تولي ترامب منصبه، رغم أن إدارة أوباما السابقة كانت في طور إبرامه. ورداً على سؤال حول إمكانية انضمام الولايات المتحدة إلى المبادرة الأوروبية الجديدة، قالت فون دير لاين: “على حد علمي، الأميركيون غادروا في مرحلة معينة، والقرار الآن يعود إلى التكتلين إذا أرادا فتح الباب لهم مستقبلاً”.

وفي حين حذر كبير المفاوضين الأوروبيين السابق إغناسيو غارسيا بيرسيرو من إغلاق الباب نهائياً أمام الولايات المتحدة، أشار إلى أن “الدول الأخرى يجب أن تمضي قدماً إذا لم تكن واشنطن مستعدة للعودة إلى نظام قائم على القواعد”.

وفي السياق ذاته، عبّرت حكومة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، التي انضمت إلى CPTPP في ديسمبر الماضي، عن دعمها للتوجه الأوروبي الجديد. وقال ستارمر، خلال إطلاق أول استراتيجية تجارية لبريطانيا منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي: “تحدثت مع قادة اليابان وسنغافورة وأستراليا ونيوزيلندا وكندا حول كيف يمكننا ، كدول ،أن نتاجر معاً بطريقة أفضل وأكثر سلاسة، وكيف يمكن لمجموعة كهذه أن تتعاون مع الآخرين على نحو أكثر كفاءة”.

وقد بدأت فون دير لاين فعلياً في التواصل مع قادة دول CPTPP، حيث أصدرت بياناً مشتركاً هذا الأسبوع مع رئيس وزراء نيوزيلندا كريستوفر لاكسون، أعلنا فيه تأييدهما لإطلاق حوار رسمي بين الاتحاد الأوروبي والتكتل الآسيوي “في أقرب وقت ممكن”، وهو موقف ينسجم مع دعوة وزراء CPTPP في اجتماعهم بجزيرة جيجو الكورية في مايو الماضي.

وبحسب مسؤول أوروبي، من المقرر عقد اجتماع وزاري بين الاتحاد الأوروبي ودول CPTPP في شهر يوليو. وقال المسؤول، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته: “لتوضيح الأمور، الاتحاد الأوروبي لا ينضم إلى CPTPP بحد ذاته، بل يعمل على بناء جسور للتعاون بين التكتلين”.

وتشكل هذه التحركات الأوروبية نقطة تحول استراتيجية في خريطة التجارة الدولية، مع سعي الاتحاد إلى تقليص اعتماده على الولايات المتحدة، وتعزيز دوره العالمي كشريك موثوق يسعى إلى بناء نظام تجاري قائم على الشفافية والتعددية والاحترام المتبادل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى