المرأة المصرية.. صانعة القيم وحارسة الحضارة

الجزء الثاني في سلسلة دور المرأة المصرية

بقلم د. منال إمام – أستاذ أصول تربية ومستشار تربوي

تُعدّ الأسرة المصرية نسيجًا متينًا نسجته أيادٍ مخلصة، وقيمٌ متجذّرة في عمق التاريخ والدين والتقاليد. ولطالما شكّلت هذه القيم الدرع الواقي الذي حفظ وحدة المجتمع المصري وصلابته عبر العصور، من الاحترام المتبادل، إلى التكافل، فالمسؤولية الجماعية، ووصولًا إلى الامتداد النابض بين الماضي والحاضر.

وفي قلب هذا البناء القيمي، تتربّع المرأة المصرية، ليس فقط كركن أساسي في الأسرة، بل كمحرّك صامت لنهضة وطن بأكمله.

المرأة… نبض البيت وروح الأمة

منذ القدم، أدّت المرأة المصرية أدوارًا تقليدية ظنّ البعض أنها بسيطة، لكنها كانت في الحقيقة مهامّ عظيمة، صنعت بها مجد الأسرة المصرية وكيانها المتماسك.

في الرعاية، لم تكن المرأة مجرد مقدّمة للخدمة، بل كانت الحضن الذي احتضن الهموم والآلام، البلسم الذي تضمّد به جراح الأحباب، والسند الذي لا يميل مهما اشتدّت الرياح. اعتنت بأجسادهم، واحتوت أرواحهم، وكانت الملاذ الحنون في لحظات الضعف والانكسار.

وفي التربية، كانت الأم معلمة بلا منازع، تزرع في القلوب القيم، وفي العقول المبادئ. علّمت أولادها لغة الأخلاق، ودين الرحمة، وعادات الجدّ والاجتهاد، حتى أصبحت “المدرسة الأولى” التي لا تُنسى دروسها، ولا تُمحى بصماتها من الذاكرة.

أما في إدارة المنزل، فقد أثبتت المرأة المصرية براعتها التي لا تضاهى، حين أدارت بيوتها بحكمة الملوك ودهاء القادة. خطّطت، ووفّرت، وابتكرت، حتى في أحلك الظروف، فكانت عقلًا اقتصاديًا نابضًا بالوعي والخبرة.

وهكذا، لم تكن تلك الأدوار تقليدية فحسب، بل كانت جوهرية في صياغة هوية الأسرة، وركيزة أساسية لبقاء المجتمع متماسكًا.

المرأة المصرية… بين الجذور والآفاق

مع تعاقب الأزمنة، تغيّر وجه المجتمع، وتفتّحت أمام المرأة آفاقٌ جديدة، لكنها لم تتخلَّ عن جذورها، بل طوّرت أدوارها لتواكب العصر.

ففي الرعاية، أصبحت المرأة تؤدي دورها بروح تشاركية، متوازنة بين البيت والعمل، مدركةً أهمية الصحة النفسية لها ولأسرتها، ومستنيرةً بمفاهيم حديثة للدعم والرعاية.

وفي التربية، تخلّت عن أساليب التلقين، واحتضنت نهج الحوار، وصارت تقرأ وتتعلم وتواكب التطور التربوي، لتغرس في أبنائها قيمًا تتناغم مع الأصالة والانفتاح.

أما في إدارة المنزل، فقد استثمرت في التكنولوجيا والمعرفة، وتحوّلت إلى مديرة من الطراز الرفيع، تُدير البيت والميزانية والعمل بروح من الانضباط والابتكار.

المرأة المصرية… من ربة منزل إلى رافعة أمة

اليوم، لم تعد المرأة المصرية محصورة بين جدران المنزل، بل أصبحت تُصنَع بها نهضة الوطن. جمعت بين الحنان والحزم، وبين البيت والمجتمع، بين التقاليد والتجديد، وبين الأصالة والطموح.

هي حارسة القيم، ومهندسة الوجدان، وركيزة التوازن في زمن التحولات. ما زالت تبني البيوت، وتُربي الأجيال، وتُشارك في رسم مستقبل الوطن بعقلها، وقلبها، وهمّتها. فهي ليست مجرد “امرأة”، بل روح مصر النابضة، ومصدر قوتها المتجددة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى