فترة حكم السلطان توران شاه .. بقلم الكاتب/ محمـــد الدكـــروري

الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا، وبعد، فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن في الدين عصمة أمركم، وحسن عاقبتكم وبعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن دولة المماليك في مصر، وقيل أن السلطان توران شاه قد إشتهر بأنه شخصية عابثة، وإتصف بسوء الخلق والتصرف والجهل بشؤون الحكم والسياسة، فبعد إنتصاره على الصليبيين إزداد غروره وتناسى ما أبلاه مماليك أبيه من صد الصليبيين، فلم يقدر ثمن هذا النصر، كما لم يقدر جهودهم في الحفاظ على نظام الحكم كي يؤمنوا العرش له، ويبدو أن توران شاه فقد ثقته بهم بعد إنتصاره على الصليبيين عندما شعر بأن له من القوة ما يكفي لأن يملأ الوظائف الحكومية بمماليكه الذين إصطحبهم معه من الجزيرة الفراتية، ولما إحتج عليه المماليك البحرية.
رد عليهم بالتهديد والوعيد، ثم أعرض عنهم، وأبعدهم عن المناصب الكبرى، وجردهم من مظاهر السلطة وأخيرا أمر بإعتقالهم، كما تنكر توران شاه لشجر الدر التي حفظت له ملكه، فإتهمها بأنها أخفت ثروة أبيه، وطالبها بهذا المال، وهددها، حتى داخلها منه خوف شديد ما حملها على بث شكواها إلى المماليك البحرية الذين يخلصون لها بإعتبارها زوجة أُستاذهم، ويبدو أن توران شاه، بالإضافة إلى ضعف شخصيته وسلوكه السيء، تأثر بآراء مماليكه الذين قدموا معه من حصن كيفا، وأثاروا ضغينته على المماليك البحرية وشجر الدر، وحثوه على التخلص منهم حتى يتفرد أستاذهم بالحكم وينفردوا هم بالحظوة لدى السلطان ومعاونته في إدارة شؤون الدولة، ونتيجة لهذه السياسة الحمقاء حنق المماليك البحرية عليه، وتخوفوا من نواياه، واستقر رأيهم على قتله.
قبل أن يبطش بهم، وساندتهم شجر الدر التي باتت تخشى على نفسها من غدره، وتزعم المؤمراة مجموعة من قادة الجند من الأُمراء البحرية منهم، فارس الدين أقطاي الجمدار وبيبرس البندقداري وقلاوون الصالحي الألفي وأيبك التركماني، ونفذت المؤامرة صباح الإثنين الموافق ثماني وعشرون من شهر محرم من عام ستمائة وثماني وأربعون من الهجرة، وكان السلطان آنذاك بفارسكور يحتفل بإنتصاره ويتهيأ لإستعادة دمياط، فاقتحم بيبرس خيمته، وتقدم نحوه وضربه بسيفه فقطعت بعض أصابعه، فهرب إلى كشك خشبي حتى يحتمي به، فتعقبه المماليك وأحرقوه عليه، فهرب منه ورمى نفسه في النيل، فضربوه بالسهام من كل ناحية، فحاول أن يلتمس الرحمة لكن المماليك لم يستجيبوا له، وقفز عليه بيبرس وقتله بسيفه، فمات جريحا غريقا حريقا.
وبمقتله سقطت دولة الأيوبيين بمصر وقامت دولة المماليك، والملك الفرنسي لويس التاسع في حبسه بدار ابن لقمان بالمنصورة، أضحى المماليك، بعد مقتل توران شاه، أصحاب الحل والعقد في مصر، وكان من الطبيعي أن يطمع كل أمير منهم في تبوء عرش السلطنة الشاغر، كما وجد على الساحة السياسية الملوك والأمراء الأيوبيون خارج مصر، والراجح أنهم استاءوا من إقدام المماليك على قتل أحد ملوكهم واستئثارهم بالسلطة، ومن الطبيعي أن يرى كل منهم في نفسه الشرعية لأن يلي السلطنة بعد توران شاه، وأخيرا قرر المماليك حل المشكلة الناجمة عن شغور العرش، فإختاروا شجر الدر لتولي السلطنة، ومن أبرز العوامل التي دفعتهم إلى إختيارها كان رجاحة عقلها وإطلاعها على الأمور الهامة في الدولة، حيث كانت تشارك زوجها الراحل الصالح أيوب في إدارة أمور السلطنة.