إعداد مواطن صالح مسؤول مبدع و منخرط في نسيج المجتمع المدني

بقلم/ الزهرة العناق

 

إن بناء مجتمع قوي و متوازن لا يتحقق إلا من خلال إعداد مواطن صالح، واع بمسؤولياته، مبدع في عطائه، و منخرط بفعالية في نسيج المجتمع المدني. و تحقيق هذا الهدف النبيل ليس مسؤولية جهة واحدة، بل هو ثمرة تفاعل متناغم بين عدة أطراف تتقاسم الأدوار، و تتكامل في المهام، و تعمل وفق رؤية مشتركة لصياغة الإنسان-الركيزة.

الأسرة:

النواة الأولى للغرس القيمي

تلعب الأسرة الدور الأول و الأساسي في تنشئة الفرد على القيم الإنسانية و الدينية و الاجتماعية، حيث تزرع في البيت بذور الأخلاق، و تسقى بالحب و الانضباط والمسؤولية. إنها المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الطفل معنى الاحترام و التقدير، و مفهوم الواجبات و الحقوق، و أهمية الصدق و التعاون، مما يؤهله لاحقًا بأن يكون مواطنا يعتز بهويته و ينتمي بإخلاص لوطنه.

المدرسة: ورشة تكوين الفكر و السلوك

تمثل المدرسة الامتداد الطبيعي لدور الأسرة، حيث تصقل شخصية الطفل وتوجه قدراته و تنمى كفاءاته العقلية و العاطفية و الاجتماعية. فالمدرسة لا تكتفي بتعليم المهارات الأكاديمية، بل تسعى إلى ترسيخ القيم الديمقراطية، و تعويد المتعلم على العمل الجماعي، و النقد البناء، و القيادة الهادفة، وهي بذلك تصنع فكرا مسؤولا و سلوكا راقيا.

الإعلام: النافذة التي تبني أو تهدم

للإعلام دور جوهري في تشكيل الوعي الجماعي، إذ يعد الوسيلة الفعالة لنشر الثقافة المدنية، و غرس القيم الإيجابية، و التصدي للانحرافات السلوكية و الفكرية. وعندما ينخرط الإعلام في مهامه التوعوية بأمانة و احتراف، فإنه يساهم في تنشئة جيل يعرف حقوقه وواجباته، ويملك رؤية نقدية، ولا يقع فريسة للتيارات السلبية.

المجتمع المدني: المدرسة الثانية للمواطنة

تعتبر الجمعيات و المنظمات و الهيئات المدنية فضاء حيويا لتجسيد المواطنة الحقيقة. إذ يجد فيها الفرد الفرصة للتطوع، و المشاركة في صنع القرار المحلي، و الدفاع عن قضايا مجتمعه، و هو ما يعزز فيه روح الانخراط و التضامن و العمل الجماعي، و يجعله عنصرا فاعلا و نافعا و ليس مجرد متفرج.

الدولة: الضامن و المحفز

تقع على عاتق الدولة مسؤولية كبرى في توفير البنية التحتية القانونية و المؤسساتية التي تسمح بتنشئة المواطن الصالح. فحين توفر الدولة التعليم الجيد، و الخدمات الصحية، و العدالة الاجتماعية، و تضمن حرية التعبير، و تكافؤ الفرص، فإنها تخلق بيئة تحفز الفرد على الإبداع و الانخراط، بدل الانغلاق و السلبية.

أخيرا وليس آخرا، إن إعداد المواطن الصالح، المسؤول، المبدع، والمنخرط في الشأن العام، لا يمكن أن يكون وليد الصدفة، بل هو مشروع جماعي طويل المدى. يحتاج إلى تكامل جهود الأسرة و المدرسة، و الإعلام و المجتمع المدني، تحت إشراف دولة واعية بدورها في تهيئة الأجواء المناسبة. وبهذا التعاون المتناغم، نبني مواطنا يعانق المستقبل بثقة، ويخدم وطنه بحب، و يصون مكتسبات الأمة بإخلاص.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى