الإنهيار الصامت بقلم: دنيا إبراهيم

الإنهيار الصامت
بقلم: دنيا إبراهيم
قصتي اليوم تحكي عن رجل مثقف، يؤدي واجباته تجاه ربه ولا يغضبه، لكن القدر كان يحمل له الكثير من المفاجآت التي لم يتوقعها أبدًا. كان هذا الرجل يعتقد أنه يعيش حياة مستقرة، لكن كان به عيب صغير أو كبير، وهذا ما ستحكمون عليه في نهاية القصة.
كان هذا الرجل طموحًا، يرغب في رفع مكانته ليصبح شخصية بارزة، بعيدًا عن مهنته التي كان يعمل فيها كموظف في إحدى الشركات. فقرر أن يلجأ إلى التجارة، وكان يبيع ويشتري الأدوات المنزلية، يبيعها بالتقسيط. لكن بدأ عمله بالفشل بشكل مفاجئ ومخيف، حيث تهاوت الأرباح وانخفضت ثقة الناس به شيئًا فشيئًا.
هنا تبدأ القصة.
بدأ الرجل يأخذ أموالًا من الناس بحجة أنه سيعيدها بعد فترة، لكنه خلف وعده، ولم يكن قادرًا على سداد الدين. لم يكن يعلم أن كل قرض جديد كان سيزيد من أزمته ويجره أكثر إلى دوامة لا نهاية لها. وتدهورت حالته، فبدأ يأخذ المزيد من المال لسداد جزء من ديونه، حتى أصبحت الأمور خارج السيطرة، وازدادت عليه الديون. كان عليه دفع المبالغ المطلوبة منه، وإلا سيصل الأمر إلى الشرطة.
أصبح الرجل عاجزًا عن مواجهة الأمر، ولم يجد مفرًا سوى الهروب. ففر مع زوجته وأبنائه الثلاثة إلى دولة عربية أخرى، حيث بدأ في العمل وجمع الأموال لسداد ديونه. رغم التعب والإحباط، ظل يحلم بيوم يعود فيه لأرضه ويصلح ما أفسده القدر.
بعد سنوات من العمل الشاق، تمكن من سداد المبالغ المستحقة عليه. لكنه لم يكن يعلم أن الظل الطويل لتلك الديون لن يتركه بسلام أبدًا.
عاد الرجل إلى بلده بعد فترة طويلة، لكنه تفاجأ بعد وقت قصير بوجود حكم غيابي ضده بالسجن لعدة سنوات. لم يكن أمامه خيار سوى الهروب مرة أخرى، ولكنه أصبح عالقًا في بلاده، لا يعرف إلى أين يذهب، ولا كيف يواجه هذه المحنة.
هنا أصبحت الزوجة هي المسؤولة عن الأبناء. لكن هذه الأم لم تكن مسؤولة بما فيه الكفاية، حيث كانت تهمل أبناءها، وتتركهم يتأثرون بأصحاب السوء، الذين لم يتوانوا في جذبهم إلى طريق مظلم لا رجعة منه.
كان لديهم ثلاثة أبناء. أصغرهم كان في المدرسة الابتدائية، وكان هذا الطفل الأصغر هو الأكثر صعوبة في التربية، كأن قلوبهم كانت تذوب ببطء في فراغ غياب الأمان.
تربى الابن الأكبر بين والديه حتى بلغ السن الذي يستطيع فيه أن يختار مستقبله. أكمل تعليمه وتخرج ليعيش حياة مستقرة وآمنة، كأنه النور الوحيد في وسط الظلام.
أما الابن الثاني، فقد كان متأرجحًا بين أن يكون طبيعيًا أو غير طبيعي. مع مرور الوقت، ومع إهمال والدته، وقع في تعاطي المخدرات. كان في داخله ندم شديد على هذا الفعل، لأنه لم يكن يريد سلك هذا الطريق، لكنه وجد نفسه محاصرًا بلا مخرج. نصحه والده بالابتعاد عن المخدرات وطلب منه العلاج. في البداية ذهب للعلاج، لكنه لم يتحمل الآلام، وعاد إلى المخدرات، وكأن اللعنة تطارده في كل محاولة للنجاة.
بعد غياب أكثر من عشر سنوات، عاد الأب إلى أولاده ليحاول إنقاذ ما تبقى من مستقبلهم. قرر أن يأخذ ابنه ليعالجه مرة أخرى. الابن استجاب له، وعاد إلى المصحة، كمن ينجو من عاصفة عاتية.
أما الابن الأصغر، فقد نشأ دون أي اهتمام من الأب أو الأم، ووقع في نفس الطريق. أصبح يتعاطى المخدرات، بل وتاجر بها أيضًا. رغم أنه كان جميل المظهر وهادئ الطباع، إلا أن الأشرار استغلوا براءته وحولوه إلى شخص قاسي يتعامل مع والديه بعنف، كأنه فقد روحه وسط ظلال من الغدر.
في أحد الأيام، استيقظ الأب على صراخ الأم، حيث تم القبض على ابنها. تبين في التحقيقات أن هناك مؤامرة ضده، وأن البلاغ كان كاذبًا، لكنه كان وقع السكين في قلب العائلة.
بدأ الأب في متابعة ابنه في كل مكان ليبعده عن هذا الطريق، ويحثه على إكمال تعليمه. كان يأتي بالكتب ويلخصها له، محاولًا إنقاذ مستقبله، وإقناعه أن يسلك الطريق الصحيح مثل أخيه. لكن الابن رفض، وزادت قسوته، وحمل والديه مسؤولية ما وصل إليه، وكأنه يريد أن يقتل آخر بصيص أمل في قلب والديه.
في النهاية، تم القبض على الابن الأصغر، وحكم عليه بالسجن بتهمة بيع المخدرات، وكأن مصير العائلة كان قد كتب بالفشل منذ البداية.
وهنا أطرح السؤال: من المسؤول عن هذا؟ الأب أم الأم؟
أقول: كلاهما مسؤول. الأب أخطأ منذ البداية بهروبه وعدم مواجهته للمشكلة. أما الأم، فهي تتحمل المسؤولية الأكبر، لأنها أهملت أطفالها وتركتهم يواجهون مصيرهم دون إشراف.
هناك العديد من الأمهات اللواتي فقدن أزواجهن أو تزوجن بأزواج آخرين، ومع ذلك استطعن أن يربين أبنائهن ليصبحوا مهندسين وأطباء. لكن في هذه القصة، كان التشتت هو العامل الرئيس الذي قاد الأبناء إلى طريق المخدرات، والحزن، والضياع.
وفي ليلة باردة، جلس الأب في زاوية الغرفة، يحدّق في صورة قديمة جمعتهم يومًا ما على مائدة بسيطة، حيث كانت الضحكات تملأ المكان، والقلوب ما زالت بيضاء. تذكر خطواتهم الصغيرة وهم يركضون نحوه، وتذكر وعوده التي لم يحققها، وقراراته التي دفع الجميع ثمنها.