قتل الأشرف صلاح الدين خليل

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي جعل حب الوطن أمرا فطريا والصلاة والسلام على من أرسله الله تعالى رسولا ونبيا وعلى آله وصحابته والتابعين لهم في كل زمان ومكان، أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن دولة المماليك في مصر، وقيل أنه وفدت على مصر خلال سلطنة العادل كتبغا جماعات من المغول الوثنيين، وتم قتل الأشرف صلاح الدين خليل يوم السبت في الثاني عشر من شهر محرم من عام ستمائة وثلاثة وتسعين من الهجرة، وبعد أن تآمر عليه بعض أُمراء المماليك، وترك اثنتين من البنات ولم يعقب ذكورا، وفي الأعوام الخمسة التي تلت مقتل هذا السلطان، إنحصر التاريخ المملوكي بشكل تام تقريبا في حوادث القتل والمؤامرات بشكل متواصل ذلك أن المتآمرون إجتمعوا وإتفقوا على تعيين زعيم المؤامرة الأمير بدر الدين بيدرا سلطانا، لكن هذا الأخير قتل بدوره.
على يد مماليك السلطان المغدور بزعامة الأمير زين الدين كتبغا المنصوري، الذي سار بعد ذلك عائدا إلى القاهرة ليتربع على دست السلطنة، لكن الأمير علم الدين سنجر الشجاعي الذي كان السلطان الأشرف خليل قد أنابه عنه في قلعة الجبل حال بين كتبغا وبين دخول القاهرة، فجرت مفاوضات بين الطرفين وإنتهت إلى إختيار محمد بن قلاوون أخي الأشرف خليل سلطانا وكان السلطان الجديد ما يزال طفلا صغيرا لم يتجاوز عمره تسع سنوات، وقضى سنة في الحكم كان شبه محجوز عليه بالقلعة، في حين استبد بأمور الدولة الأمير علم الدين سنجر الشجاعي، ثم الأمير كتبغا المنصوري بعد أن تخلص من الأول، وما لبث كتبغا أن عزل محمد بن قلاوون متحججا بفساد الحال نتيجة تولي صبي شؤون الحكم، وحل مكانه سنة ستمائة وأربعة وتسعين من الهجرة.
وتشائمت الناس من كتبغا وحكمه كونه جاء مصحوبا بإنخفاض النيل وإشتداد المجاعة وإرتفاع الأسعار وإنتشار الوباء، ولأنه إستقبل في مصر حوالي عشرة آلاف مغولي وثني عرفوا باسم العويراتية أو الأويراتية، فارين من الدولة الإلخانية، فإستثار هذا الفعل شعور الأهالي وزادت نقمتهم على السلطان، إستغل أحد الأمراء الأقوياء، وهو الأمير حسام الدين لاجين، عوامل الكراهية التي أخذت تتجمع ضد كتبغا، فخلعه من السلطة وتربع على العرش بدلا منه، لكنه أساء التصرف مع سائر أمراء المماليك وضيق عليهم وأقصاهم عن مناصب الدولة وأحل غيرهم من مماليكه الخاصة، فحنقوا عليه وقتلوه وهو في القلعة سنة ستمائة وثماني وتسعين من الهجرة، ولم يوجد بين أُمراء المماليك عقب مقتل لاجين شخصية كبرى تستطيع أن تسيطر على الموقف وتستأثر بالسلطنة.
فإضطر الأمراء وسط ذلك الفراغ إلى التفكير في محمد بن قلاوون الذي ظل دائما يبدو في صورة صاحب الحق الشرعي في السلطنة منذ أن عزله كتبغا، وتم إستحضار محمد بن قلاوون إلى مصر ليتولى منصب السلطنة للمرة الثانية، فاستقبل إستقبالا حماسيا رائعا من المماليك وعامة الناس على حد سواء، وصعد إلى القلعة حيث جددت له البيعة وأخذ يباشر سلطانه، بعد أن تلقب بلقب الملك الناصر، وكان أهم ما تعرضت له دولة المماليك في ذلك الدور هو تجدد هجمات المغول على الشام، إذ أوغلت جيوش الإلخان محمود غازان في الشام سنة ستمائة وسبع وتسعين من الهجرة، حتى أنزلت الهزيمة بالمماليك عند مجمع المروج بين حمص وحماة، ويبدو أن مقاومة المماليك في الشام إنهارت بعد هذه الهزيمة، فدخل غازان دمشق وعاث جنوده فيها فسادا.
على أن غازان إكتفى بذلك وعاد إلى بلاده بعد أن عين نائبا عنه في دمشق، وكان ذلك في الوقت الذي خرج جيش كبير من المماليك على رأس السلطان الناصر محمد قاصدا الشام سنة ستمائة وثماني وتسعين من الهجرة، وقد إستطاع المماليك دخول دمشق وطرد المغول منها، ولم يعبئوا بطلب غازان مهادنتهم، الأمر الذي إستثار غازان فخرج من بلاده سنة سبعمائة واثنين من الهجرة، قاصدا غزو الشام من جديد.