محمـــد الدكـــروري يكتب: السلطان قلاوون يحكم مصر

 

الحمد لله الذي جعل حب الوطن أمرا فطريا والصلاة والسلام على من أرسله الله تعالى رسولا ونبيا وعلى آله وصحابته والتابعين لهم في كل زمان ومكان، أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن دولة المماليك في مصر وقيل أنه بعد وفاة الظاهر بيبرس بفترة قصيرة، أخذ أمراء المماليك يسببون المتاعب والمشاكل للسلطان الجديد في مصر والشام جميعا، لعدم إيمانهم بمبدأ الوراثة في الحكم، فضيقوا عليه الخناق وأزعجوه حتى إضطر إلى التنازل عن السلطنة سنة ستمائة وثماني وسبعين من الهجرة، ولم يكن قد مضى على قيامه في منصب السلطنة عامان، وتم عرض السلطنة عندئذ على أقوى الأمراء وهو الأمير قلاوون الألفي، ولكنه كان يدرك أن الأمور لم تنضج بعد نضجا كافيا، فتظاهر بالزهد ورفض المنصب قائلا أنه لا يشتهيه. 

وأن خلعه السعيد بركة كان حرصا على نظام الدولة وحفظا لها، والأولى أن لا يخرج الأمر من ذرية الظاهر بيبرس، وهكذا إختير الإبن الثاني للظاهر بيبرس وهو الأمير بدر الدين سلامش سلطانا سنة ستمائة وثماني وسبعين من الهجرة، في حين أصبح الأمير قلاوون أتابكا للسلطان الجديد، أي وصيا عليه، وبهذه الطريقة حقق قلاوون غرضه لأن السلطان الجديد كان في السابعة من عمره، فإستغل قلاوون وصايته للإستئثار بالسلطة والتخلص من المماليك الظاهرية وهم مماليك الظاهر بيبرس، وعندما إطمأن قلاوون تماما إلى أن الأمور غدت مهيأة لإعتلائه منصب السلطنة أعلن أنه لا فائدة من بقاء ذلك الصبي الصغير على العرش، فعزله قبل أن يمضي عليه في السلطنة ثلاثة أشهر، وحل محله، وبتولي الأمير قلاوون العرش المملوكي، قامت السلالة القلاوونية.

التي إستطاعت أن تحتفظ بمنصب السلطنة في ذرية هذا الرجل مدة قاربت قرن من الزمان، فكانت بذلك مثلا فريدا في دولة المماليك، إذ شذت عن قاعدة عدم توريث الملك التي آمن بها المماليك، هذا إلى أن العصر الذي حكمت فيه أسرة قلاوون يمثل عصر الإزدهار في الدولة المملوكية، إذ ظهرت في ذلك العصر جميع مميزات تلك الدولة، وإكتملت فيه معالمها مثلما إزدهرت حضارتها، وذلك بعد أن إنتهى الدور التأسيسي الذي نهض به السلطان الظاهر بيبرس، ومن أسباب ثبات مُلك هذه السلالة هو أن السلطان قلاوون أرسى هيبة بيته في النفوس، وأحاط إسمه وإسم أسرته بهالة من المجد والعظمة، جعلت المعاصرين يتمسكون بأبناءه وأحفاده من بعده، ويرون في بيت قلاوون رمزا للقوة والعظمة والإستقرار في الداخل والأمن في الخارج، وكان قلاوون نفسه على قدر من الذكاء

وبعد النظر في شؤون الحرب والسلم والسياسة والدبلوماسية، ووصفه المؤرخون الذين عاصروه بأنه كان إنسانا حليما عفيفا في سفك الدماء مقتصدا في العقاب، كارها للأذى، وأنه كان رجلا مهيبا شجاعا، وتعرض قلاوون، في أوائل عهده إلى ثورتين، فالثورة الأولى قام بها نائب السلطنة في دمشق الأمير سنقر الأشقر الذي إمتنع عن مبايعة قلاوون ودعا أهل دمشق إلى الخروج عن طاعة الأخير، وأعلن نفسه سلطانا وتلقب بلقب الملك الكامل، وطلب من نواب الولايات في الشام الإعتراف به، ولم يقف السلطان قلاوون موقف المتفرج من هذه الحركة، فقاتل الأمير سنقر حتى هزمه وأجبره على الإستسلام، فطلب الأمان والعفو، فمنح ذلك وعفي عنه، وعاد إلى القاهرة معززا، أما الثورة الثانية التي تعرض لها السلطان قلاوون فكانت مؤامرة حاكها بعض الأمراء الظاهرية. 

إذ إتفقوا مع المغول على إغتياله، وأسروا للصليبيين في عكا بما دبروا، ونصحوهم بعدم عقد أية معاهدة مع السلطان لأنه سيقتل في القريب العاجل، لكن هؤلاء رفضوا التعاون معهم وحذروا قلاوون منهم، ولما علم السلطان بتفاصيل المؤامرة إستدرج الأمراء المتآمرين وكشف لهم علمه بالأمر، وأمر بإعدامهم، ثم قبض على الأمراء الذين كان يشك في إخلاصهم له وسجنهم، رغم إخضاع الثورتين سالفتا الذكر، إلا أن السلطان قلاوون فقد بسببهما ثقته بالمماليك الظاهرية، وإتجه إلى تأسيس طائفة مملوكية خاصة به تساعده في توطيد حكمه في الداخل وتسانده في سياسته الخارجية، ويكون إعتماده عليها دون الطوائف المملوكية الأخرى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى