هي منهاج حياة قائم على الإيثار..بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله برحمته اهتدى المهتدون، وبعدله وحكمته ضلّ الضالون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، تركنا على محجّة بيضاء لا يزيغ عنها إلا أهل الأهواء والظنون، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم ثم أما بعد، روي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال يا معاذ والله إني لأحبك، ثم أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ” رواه أبو داود والنسائي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض ” متفق عليه.

وعن أبي عبد الله طارق بن أشيم رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله ” روي مسلم، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ” متفق عليه، وإعلموا يرحمكم الله بأن التضحية في الإسلام تعد قيمة سامية تعكس التفاني في بذل النفس والمال والجهد طلبا لرضا الله تعالي، ولما لا وهي منهاج حياة قائم على الإيثار وتفضيل مصلحة الآخرين على المصالح الشخصية، ولا تقتصر التضحية على المواقف الحربية فحسب

بل تمتد إلى كونها سلوكا يوميا ينبع من إيمان صادق، مما يسهم في تعزيز صلاح الفرد والمجتمع وتوطيد روابط الأخوة والإنسجام بين الناس، وتتجلى وتتألق مصطلحات عظيمة في رحاب ديننا الحنيف، فتغمر الإنسان بالسعادة والفرح، ومن أعظم تلك المصطلحات المبهجة، مصطلحات البذل السخي والجود الفياض والشهامة النبيلة، والمروءة الأصيلة، وإنكار الذات الذي يعلي من شأن الآخرين، والعمل الصامت الذي ينسج خيوط الخير في الخفاء، كل هذه المعاني العظمى تتوجها وتضمها قيمة واحدة هي التضحية، فتلك القيمة التي تنتشل العبد من وحل المصلحة الذاتية، وتعتقه من قيود الأنا لترتقي به نحو غايات أسمى حيث تذوب المصالح الشخصية في بوتقة العطاء المطلق، هنا يتألق بريق بذل النفس والمال والوقت لا لشيء إلا إبتغاء وجه الله.

ورجاء الأجر والثواب منه عز وجل وهذا ما أكده الله تعالى في كتابه الكريم بقوله تعالى ” وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا ” وتتجلى هذه الروح أيضا في الحديث النبوي الشريف ” ما نقص مال من صدقة ” رواه مسلم، مما يؤكد أن العطاء في سبيل الله ليس نقصا بل زيادة وبركة، وإن مفهوم التضحية في الإسلام، إنما هو تجسيد حي للإيثار، الذي يقدم فيه المرء مصلحة غيره أو مصلحة دينه على مصلحته الشخصية، وهذا المفهوم يتجلى بوضوح في آيات كتاب الله العزيز، وسنة نبيه الكريم المصطفي صلى الله عليه وسلم، فالقرآن الكريم يحدثنا عن التضحية بمعناها الواسع في مواضع عدة منها قوله تعالى ” لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون، وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ” فهذه الآية الكريمة لا تتحدث عن القتال بل عن الإنفاق من أحب الأموال إلى النفس.

وهذا بحد ذاته تضحية عظيمة، فالمسلم هنا يضحي بجزء من ماله الذي جمعه، وسهر عليه إبتغاء مرضاة الله، وهو دليل على تغلغل الإيثار في قلبه، فإن التضحية في الإسلام هي منهاج حياة، وهي عبارة عن سلوك يومي ينبع من قلب مؤمن، فيرجو ما عند الله تعالي، إنه بناء للمجتمعات وتآلف للقلوب وغرس للرحمة في النفوس، هي أن تضحي بكلمة طيبة في وجه من يسيء إليك، أو أن تكظم غيظك أو أن تتنازل عن حقك من أجل الصلح، أو أن تبذل جهدا لمساعدة محتاج، أو أن تصبر على أذى الجار، أو أن تعفو عمن ظلمك، كل ذلك تضحية عظيمة، تؤدي إلى صلاح الفرد والمجتمع، وتعميق أواصر الأخوة والترابط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى