الزهرة العناق تكتب: لغة العصر و الجيل الجديد

 

في خضم التحولات المتسارعة، و انقلاب الموازين الثقافية و الاجتماعية، لا يزال البعض يصر على استخدام أدوات الأمس لقراءة مشهد اليوم، و كأن الزمن لا يتحرك، و الشباب لا يتغير، و الحوار لا يحتاج إلى تحديث.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو:

أما آن الأوان بأن نفهم لغة العصر؟

لغة العصر لا تهدد القيم بل تعيد صياغتها. القيم في جوهرها ليست حبيسة شكل محدد، و لا محتجزة داخل قوالب لغوية قديمة. بل إنها مبادئ حية، قابلة لأن تترجم بكل اللغات، و تقدم لكل الأجيال، شريطة أن نحسن التعبير عنها بالطريقة التي يفهمها جيل المستقبل. القيم إن لم تفهم، لم تعش، و إن لم تعش، ماتت على عتبات البلاغة المجردة.

في مقالي هذا أنا لا أدعو لتذويب المبادئ، بل أطالب بإعادة تقديمها بذكاء. حين يتحدث الجيل الجديد بلغة الاختزال، و يعبر بالصورة و الصوت و الإيقاع، لا يجوز أن نرد عليهم بالنمط الخطابي القديم، المعروف بالتكرار و المواعظ المعلبة.

الفجوة ” The gap ” لا تكمن في قول الحق، بل في طريقة عرضه. لأن الحق إذا عرض بطريقة عشوائية، عبارة عن أوامر و قيود، يتم النفور منه ليس لفساده، بل لسوء تقديمه.

إن شباب اليوم ليسوا أعداء القيم، بل أعداء الأسلوب الذي يشعرهم بأنهم مازالوا صغارا، أو خلقوا في الزمان الخطأ. لذا، حين نحسن الحديث بلغة الواقع، فإننا نربط القيم بجسور الحداثة، و نمنحها حياة جديدة.

 أما آن الأوان بأن نتماشى مع الشباب؟

نعم، آن أوان الفهم، لا الانسياق. آن أوان التفاعل، لا التنازل. آن أوان التغيير في “الأداة”، لا “الغاية”. آن الأوان بأن نفهم أن الرموز التعبيرية ليست سطحية، و الفيديو القصير ليس تفاهة، بل قد يكون وسيلة مجدية لتبليغ فكرة أو غرس مبدأ ما.

نعم آن الأوان بأن ندرك أن التيك توك و اليوتيوب و الفايسبوك و الانستغرام وو…..، ليسوا خصوما، بل منابر، تحتاج فقط إلى من يعتليها بوعي.

من لا يتقن لغة العصر، سيقصى من حوار المستقبل؟

ليس لأن المستقبل يرفضه، بل لأنه لم يكلف نفسه عناء لفهم أدواته. اللغة ليست مجرد كلمات، بل منظومة فهم، و أسلوب إيصال و تواصل. و الأجيال القادمة لن تنتظر من يجلس في برج عاجي و يكتب خطبا لا تقرأ و لا تفهم، بل ستصغي لمن يتحدث بلغتها دون أن يتنازل عن جوهره. إنه العصر الذي لا يرحم المكلفين، و لا ينتظر المتأخرين.

أخيرا وليس آخرا، علينا أن نغير نبرة خطابنا، و نبحث عن طرق حديثة للإقناع و تبليغ الرسالة. فالمبدأ الذي لا يفهم، لا يثمر. و الحوار الذي لا نحسن استعمال أدواته، لا ينتج وعياً.

“الرسالة العظيمة لا تفقد قدسيتها حين تقال بلغة يفهمها الجيل، لكنها تفقد أثرها حين تقال بلغة لا يفهمها أحد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى