تغيير الثقافة في ظل التطور: تهديد لهوية المجتمعات حيدر الأداني

تغيير الثقافة في ظل التطور: تهديد لهوية المجتمعات
حيدر الأداني
نعيش اليوم في مجتمعات متنوعة تضم شعوبا مختلفة بثقافاتها و عاداتها و تقاليدها تمنح كل جماعة قيما و مبادئ تميزها عن سواها و يعرف الناس بها بين بعضهم البعض
فالاسم أو الديانة و حدهما لا يكفيان لتعريف أي جماعة فهما مجرد وسيلة للمناداة . أما الهوية الحقيقية فهي الثقافة المتوارثة عبر الأجيال التي تعبر عن تاريخ طويل من التقاليد و القيم و الثقافة لا تعني فقط الأزياء أو الطعام أو الفنون و إنما تشمل الأخلاق و المواقف و العادات التي تربى عليها الناس و حافظوا عليها رغم الظروف .
في الماضي ، كثير من الشعوب تعرضت ثقافتها للتغيير بسبب الاستعمار و التغير الديموغرافي و تأثير المحيط الاجتماعي الذي كان أحيانا سببا في فقدان الهوية الأصلية كان هذا التغيير بطيئا لكنه عميق الأثر أما اليوم فنحن أمام تحدٍّ جديد يهدد هوية الشعوب و هو الانفتاح الواسع عبر وسائل التقنية الحديثة التي ساهمت في تداخل الثقافات بشكل كبير حتى أصبح من المعتاد أن تتغير بعض العادات و التقاليد تدريجيا و مع ذلك ، ما زلنا نرى في بعض الشعوب مظاهر من عادات دينية وروحية قديمة تعود إلى آلاف السنين و هي دليل على عمق التاريخ و الإيمان و على الرغم من التغيرات الكبيرة في العالم لا يزال البعض يمارس هذه العادات ما يعكس ارتباطه القوي بدينه و جذوره . لكن للأسف ، أصبح بعض الناس ينظر إلى هذه الممارسات على أنها غريبة أو قديمة رغم أن الأجداد حافظوا عليها بكل فخر و كرامة .
المعضلة الحقيقية اليوم أننا لا نلاحظ التغير الثقافي لأنه يحدث تدريجيا ، عبر العادات البسيطة التي نتركها و اللغة التي نتخلى عنها و المناسبات التي لا نحتفل بها كما فعل الأجداد ومع الوقت تصبح هذه التفاصيل مجرد ذكريات لا تمارس ولا تنقل إلى الجيل الجديد .
من المهم أن ندرك أن المجتمعات التي لا تحترم عاداتها ، و تقلل من شأن ما هو حلال وحرام فيها و تتكيف بشكل أعمى مع مظاهر ما يسمى بالتطور فإن ضياعها يكون أمرا سهلا ،
فعندما يفقد الفرد القيم و المبادئ التي تربى عليها يسير إما نحو الجهل أو نحو ثقافة زائفة مبنية على “تطور وهمي” لا يمت بصلة إلى جذوره و لا يعكس هويته الحقيقية .
و من الحلول لهذه المشكلة أن نبدأ من البيت و من الأسرة التي تعلم أبناءها محبة تراثهم و احترام عاداتهم ، و تبدأ من المدارس التي تعرف الطلاب بتاريخهم ، ومن الفعاليات و المهرجانات التي تحيي الأزياء و تبدأ حين نشجع الأطفال على ارتداء ملابس أجدادهم ، و نروي لهم الحكايات التي كانت تقال في القرى .
رغم بساطة هذه الحلول إلا أن تطبيقها اليوم يحتاج إلى وعي و صبر لأننا نعيش في زمن صعب فيه الكثير من المغريات التي تبعد الناس عن ثقافتهم و لهذا من المهم أن نكون واقعيين ونتعامل مع العصر بذكاء عالي فلا نرفض التكنولوجيا و إنما نستخدمها لتعريف الآخرين بثقافتنا .
من الجميل أن يعتز الفرد بما يملكه من ثقافة و أن يعرف الآخرين بها . فالحفاظ على لغتنا و أغانينا و أعيادنا وتربية الأجيال القادمة على احترام هذه الجذور هو واجب و مسؤولية.
لأن الشعوب التي تنسى ثقافتها تشبه الشجرة التي قطع عنها الجذر ، فلا حياة لها بعد ذلك .
.