الفرق بين الاتصال و التواصل.. الكاتبة/ الزهرة العناق

 

في عالم يعج بالأصوات والرسائل و الذبذبات، لم يعد من الصعب أن نتصل، بل باتت التقنية تمهد لنا الطريق.

إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو :

هل كل اتصال هو تواصل؟

الفرق شاسع بين أن يطرق بابك، و بين أن يطرق قلبك.

الاتصال وسيلة، أما التواصل فغاية.

وسيلة قد تشعل زر واحد و تطلق صوتا، أما الغاية فهي أن تحدث أثرا، أن تزرع في النفس سكينة، وأن تمنح القلب راحة بأنه ليس وحيدًا وسط هذا الضجيج.

قد يظن البعض أن الاتصال والتواصل كلمتان متطابقتان، لكن بعد التمحيص يظهر أن بينهما بؤرة عميقة.

الاتصال هو نقل معلومة، إرسال فكرة، أو تمرير صوت، بينما التواصل هو حالة وجدانية، ترمز إلى تداخل بين عالمين، عبور من عقل إلى عقل ومن روح إلى روح.

قد يتم الاتصال دون أي أثر، لكن لا يمكن أن يحدث تواصل دون أن يترك بصمة على القلب.

التواصل ليس ترفا، بل حاجة إنسانية خالصة، تشبه حاجتنا للأمان والانتماء.

إنه لحظة شعورك بأنك مفهوم حتى في صمتك، مسموع دون أن تتكلم.

هو ذاك التماس الصامت بين روحين، حيث لا تفيض الكلمات إلا حين تولد من صدق داخلي، و ليس من واجب خارجي.

كم من علاقات ترتدي قناع الاتصال، لكنها خاوية من أي دفء تواصلي!

الهواتف ترن، والرسائل تنهمر، والصور تنشر، لكن لا أحد حقا ينصت.

ذلك لأن التكنولوجيا لا تضمن تواصلا، بل تفتح بابا فقط.

أما الروح فهي من تقرر إن كانت ستمضي في الدخول أم تبقى خلف عتبة الصمت.

لكي يكون التواصل ناجحا و عميقا، لا بد من حضور عدة مفاتيح منها :

الصدق: لا تواصل دون نية صافية وحقيقة داخلية.

الإصغاء: الاستقبال الهادئ لما وراء الكلمات.

التجرد: أن نخلع أقنعتنا، و نكشف إنسانيتنا للآخر دون زيف.

النية: أن لا نكثر من الكلام دون تطبيق من أجل الشهرة، بل لنصل، لنشفي، لنتشارك الضوء لا الصوت فقط.

حين يغيب التواصل، يصبح العالم ملوثا و العلاقات كالطبول الفارغة، تكرار لما يقال دون أن يفهم.

النفوس تختنق تحت وطأة الوجود الظاهري، و تذبل في غياب الحضن المعنوي.

لهذا، نحن نحتاج إلى إعادة تعريف علاقتنا بالحديث، بالنظر، بالصمت، بالحضور.

نحتاج إلى أن نكون إنسانا، أن نكون أكثر إنصاتا للمعنى، لا للفظ، وأكثر إخلاصا للمشاعر، لا للمظاهر.

التواصل هو الاحتواء و الإحساس و الشعور بالآخر.

أخيرا وليس آخرا، ليس كل من يحدثك يواصلك، ولا كل من يسمعك يفهمك.

قد يصغي إليك العالم كله، ولا تجد من يحتوي وجعك.

لكن إذا كان تواصلا صادقا، قد ينقذك من الانهيار.

فلتكن وسيلتنا الاتصال، نعم، لكن غايتنا الأسمى أن نتعلم فن التواصل، نتقن الحضور، ونجيد الإصغاء.

بهذا فقط، لا تعبر الكلمات فحسب، بل تعبر الأرواح إلى حيث تحب أن تستقر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى