المثابرة أساس به تدرك مبتغاك .. الكاتب / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي جعل الشباب قوة، وزينة وفتوة، وزيّن بالثبات منهم من شاء، وحلى بالإستقامة منهم من أراد، أحمده سبحانه وأشكره والشكر له على جزيل نعمه، وعظيم مننه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله أرسله ربه بالهدى والنور، فلبّى دعوته شباب نفع الله بهم الإسلام وأمته، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته، المتفانين في دعوته، والممتثلين لأوامره، والمجتنبين لنواهيه، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد إن المطامع مصدرها النفس وإتباعها لما يشقيها، فلكي تنطلق في حياتك تحكم بنفسك وقدها إلى ما يزكيك ويزكيها، وإنشد أهدافا لنفسك ولا تجعلها صغيرة فتصغر نفسك بصغرها، والتعب في نيل الأهداف واحد، سواءا كان الهدف والمطمح صغيرا أم كبيرا.
فلن تدركه بغير جد وكد وتعب فلما لا يكون الطموح كبيرا، يستحق تعبك وتضحياتك، ويصاحب سعيك إلى هدفك وسؤلك الصبر والمثابرة في طلبه، وهل يظن أحد أن الأماني تدرك بغير التعب والمشقة ؟ لا، بل لا تدرك إلا بالنصب والتعب والسهر، وليست الراحة الكبرى أن يكون المرء في راحة بلا عمل، إنما يقصد بها ما يبلغه الرجل من الراحة بفضل بلوغه مبتغاه وهدفه، أما من عكف عن العمل فلا راحة له، ومن تعود الكسل ومال إلى الراحة، فقد الراحة، ولن يصل إلى كينونة المجد إلا من شحذ همته وطار إلى المجد والفخار بجناح العمل، وزاده قوة عزيمته جاعلا من الصعاب التي تقف في طريقه، سلما يصل به إلى ما يطلبه، فقد قيل لن يدرك المجد من خارت عزائمه، عند الصعاب، ألا فلتشحذ الهمم، واعلموا أن المثابرة أساس به تدرك مبتغاك.
والتواني مما يبعدك عنه فاحذره، فقد يبلغ المرء بعض شأنه فيأخذه الغرور والتوهم بأنه قد بلغ أمره كله، فيتسرب إليه ما يؤدي إلى ترك العمل والمثابرة والجد، وهو شعوره بإنتهاء السبق وفوزه، فقل له ما الفوز بالسبق أن تزهو بأوله، إن المفازة أن بالزهو يختتم، والأمر الأهم عند كل شأن تود إتمامه هو الخطوة الأولى، فلكل شيء خطوته الأولى فأقدم، ولا شك أن الخطوة الأولى تحتاج إلى الشجاعة كي يخطوها المقدم على أمر، فمن مرادفات الشجاع هو المقدام أي الذي يقدم على أي شيء، ولا يخاف المواجهة ولكن ما الشجاعة التي يجب أن يتحلى بها المرء ؟ وكيف يكون المرء شجاعا؟ وإن لكل منا رأيه الخاص في الشجاعة وتعريفه الذي يقيد به حدود الشجاعة ومعالمها ولكن يتحكم بنا أمر، وهو طباعنا التي نشأنا عليها، فما وافق منها الشجاعة أقمناه وما جانبها تركناه.
وأقصى ما يخاف منه المرء زواله عن هذه الدنيا، ولكن هل هناك من به خالد بها ؟ ومحصن بوجه الموت والفناء، وهل إذا جبن المرء سيقف الجبن حائلا دون الموت ؟ ويرى بعضهم أن قعودهم دون صنائع الشجعان إنما هو العقل والتأني والتروي، ولتعلم أخي أن الشجاعة عزيزة يضعها الله فيمن شاء من عباده، إن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية، والشجاعة تورث عزة النفس وكرامتها، إذ لا كرامة لمن لا يتحلى بالشجاعة في مواطن الشجاعة والإقدام، وأنى يعيش المرء بلا عزة نفس، وإليك ما يغفل عنه كثير من الناس، وإن كانوا يدركونه وهو أنه من يهن نفسه لن تجد له من مكرم، ولن يشعر هو بذل الهوان، إذ إنه ميت الإحساس بذلك، وما الوصول لعزة النفس وإرتفاعها عن ما يشينها بسهل البلوغ والرأس المرفوع بشمم يتطلب نفسا عالية الإباء.