أخر الأخبار

حزب العمال الكردستاني يسلم السلاح..هل انتهت القضية الكردية

حزب العمال الكردستاني يسلم السلاح..هل انتهت القضية الكردية؟

عزت ابو علي – بيروت

أربعة عقود من الصراع الدموي بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، عشرات آلاف الضحايا أُزهِقت أرواحهم من الطرفين ودمار تجاوز الماديات نحو النسيج المجتمعي بين الأتراك والأكراد وحتى العرب والفرس.

قبل أشهر عدة عُقِدَت أولى جلسات الحوار الجدي بين حكومة أنقرة وزعيم الأكراد التاريخي عبد الله أوجلان في سجنه في جزيرة معزولة في بحر مرمرة التركي قرب اسطنبول، لتتوالى بعد ذلك جلسات الحوار التي أفضت إلى خروج أوجلان على الهواء مباشرة والطلب من حزبه التخلي عن العمل العسكري والاتجاه نحو الحياة السياسية الطبيعية.

رغبة تركيا هذه التي صارعت الحزب في جنوبي شرق البلاد وجبال قنديل العراقية تحقَّقت أخيراً، ففي حدث سيُخلَّد تاريخياً وقف عشرات المقاتلين من حزب العمال أمام محرقة رموا بداخلها أسلحتهم في مدينة السليمانية شمالي العراق، ليُشكِّل ذلك نقلة نوعية سينسحب أثرها البعيد على لبنان وسوريا والعراق وفلسطين واليمن، وحتى باقي الدول العربية هناك في أقصى الشمال الأفريقي، خاصة وسط ظروف الإقليم المُستجدة بعد أحداث السابع من أكتوبر – تشرين الأول 2023 وما تلاها من أحداث فتحت شهية واشنطن وتل أبيب ومن خلفهما بروكسيل لإنهاء حالات التسلّح في المنطقة بعد النقاط التي سُجِّلت ضد إيران وحلفائها في المنطقة.

لماذا الخطوة الأولى نُفِّذت في السليمانية؟

تحمل مدينة السليمانية رمزية كبيرة بالنسبة للأكراد عامةً وحزب العمال الكردستاني خاصةً وكذلك تركيا على حدّ سواء، فموقعها الجغرافي على الحدود مع إيران ومحاذاتها لمدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق من ناحية الجنوب الشرقي، يعني أن قرار إنهاء الصراع يمتد على مستوى الشعب الكردي شرقاً من شمال العراق إلى داخل إيران، وشمالاً إلى داخل تركيا، وغرباً إلى شمال سوريا وشرقها حيث المعاقل التاريخية والانتشار السكاني للشعب الكردي، والأ÷م من ذلك كلّه أن العمليات العسكرية الكردية المُسلّحة ضد الجيش التركي في محافظات شرق الأناضول وجنوبها الشرقي انتهت بعد أكثر من أربعين عاماً على اندلاع الصراع الدموي.

الانعكاسات على تركيا والقضية الكردية والشرق الأوسط

إن تخلّي الأكراد عن سلاحهم من الناحية الاستراتيجية سيمنح مزايا لتركيا، فجيشها الذي يُعتبر من الأقوى عالمياً، سيتمكن من الوصول بسهولة ودون قتال إلى مناطق شرق الأناضول لأول مرة منذ ثمانينيات القرن الماضي، ليصل حتى حدود إيران، وجنوباً حتى شمال العراق بدون اعتراض مُسَلَّح من مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وبالتالي سترتاح تركيا في شرقها وجنوبها عسكرياً، للتفرّغ لشمال سوريا تحديداً منطقة شرق الفرات عبر اشتداد الضغط على أكراد سوريا ليقوموا بالأمر عينه، وتسلم قسد المدعومة أميركياً أسلحتها للدولة السورية الوليدة، التي تسيطر عسكرياً بدعم تركي على منطقة غرب الفرات وحلب وتحكم في العاصمة دمشق، وبالتالي تمنح أنقرة ساعدها قوة إضافية على سوريا ما يعني المزيد من الضعف للنفوذ العربي وتحديداً الخليجي المتوجس من مشاريع تركيا الخارجية.

هذا السيناريو سيدفع واشنطن للضغط على أنقرة لإعادة الاستقرار إلى العلاقات مع تل أبيب، بعد تبديد هواجسها في المنطقة وتحقيق رغباتها الممتدة من سوريا مروراً بالعراق وصولاً إلى شرق وجنوب شرق البلاد، والمتمثلة بالقضاء على حُلم الدولة الكردية بشكل نهائي وسقوط مشاريع التقسيم التي تحاربها تركيا.

وسط كل ذلك لن تقف الأمور عند حدود تسليم حزب العمال الكردستاني لسلاحه، بل ربما ستشكل وعود المشاركة السياسية بالسلطة في تركيا نموذجاً للقوى المسلحة في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق واليمن وليبيا والسودان والصومال وجنوب المغرب لتحذو حذو الأكراد وتسلّم أسلحتها للحكومات المركزية، وهي الرغبة التي ترى غالبية القوى الغربية والعربية أن تحقيقها لا بدَّ أن يكون سريعاً قبل إعادة خلط الأوراق في الشرق الأوسط من جديد.

تركيا والضمانات الضبابية

يقول مصدر تركي رفيع المستوى في حديث خاص إن ما جرى في السليمانية خطوة أكثر من رمزية، بل، قرار نهائي لا رجعة عنه بتخلي حزب العمال الكردستاني عن سلاحه، ومما يعزِّز قبول الأكراد بذلك هو غياب أية مظاهر اعتراض على ذلك من أكراد تركيا الذين رسم لهم حزب العمال الكردستاني سابقاً مسيرة حُلم التحرّر من أنقرة بعد عقود القتال الدموي، الذي تبخَّر أمام ملايين الأعين الكردية.

أعين تصب أنظارها على ضمانات تركيا، وهنا يُتابع المصدر حديثه مُشدداً على أن أنقرة بعيدة عن الضبابية في هذا الموضوع، إلَّا أن إعادة دمج المقاتلين في المجتمع بعد عودتهم لحياتهم المدنية وكذلك المشاركة السياسية لهم وحتى إطلاق سراح عبد الله أوجلان بحاجة إلى خطوات قانونية كُبرى ضمن مؤسسات الدولة التركية التي تراقب عن كثب جدية حزب العمال الكردستاني في التخلّي عن السلاح والقتال وإيمانه بانتماء أفراده إلى الدولة التركية، وتخليه عن أحلام التقسيم واعترافه بالعيش تحت العلم التركي وحدود الدولة، التي ترى في تحويل حزب العمال الكردستاني إلى حزب سياسي انتصار كبير، يمنح حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم صك غفران شعبي تركي خاصة من قِبَلِ حلفائها القوميين ما إذا منحت الأكراد حقوقهم الثقافية والإنسانية والسياسية، وهي شروط أساسية لطالما دعا إليها الاتحاد الأوروبي تركيا كشرط لانضمامها إلى بروكسيل وهو الهدف الذي تسعى إليه أنقرة وإن لم يحافظ على أولويته في سلم اهتماماتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى