الزهرة العناق تكتب : لا تكن آلة صماء

في زمن تتسارع فيه التحولات، و تتزاحم فيه الاختراعات،
بات ضروريا – نحن أبناء هذا العصر – أن نحسن الفهم قبل أن نبادر بالتبني أو الرفض.
أمامنا اليوم ظاهرة عالمية، لم تعد مجرد تقنية نسمع بها، بل واقع نعايشه و علينا تقبله:
إنه الذكاء الاصطناعي.
ذكاء برز ليس كخيار تقني فقط، بل كواقع يتسلل إلى كل تفاصيل حياتنا: غزت الشاشات بيوتنا، مشاعرنا، أفكارنا و كل المجالات: التعليم، الكتابة، الطب، الهندسة، التسوق و حتى الفن و الإبداع.
إنه موضوع يثير الإعجاب و الجدال أحيانا، والريبة أحيانا أخرى.
فمنهم من استغله ليبدع، و منهم من خضع له حتى تاه صوته وسط صدى الآلة.
لهذا جئتكم اليوم برسالة توعوية بعنوان :
📩 رسالة إلى كل مستعملي الذكاء الاصطناعي:
…… لا تكن آلة صماء …..
أنا اليوم لا أدافع عن الذكاء الاصطناعي، و لا أُهاجمه،
بل أخاطب كل من يستخدمه:
كيف نحسن التعامل معه دون أن نفقد هويتنا؟
كيف نجعل منه أداة تسعفنا، و ليس قيدا يكبلنا؟
و لكن السؤال الأهم ليس:
“هل نستخدم الذكاء الاصطناعي؟”
بل: كيف نستخدمه؟
و هل نحسن استخدامه؟
أم أننا نسمح له – دون وعي – أن يفرغنا من هويتنا؟”
رسالتي تربوية و صادقة بالمرتبة الأولى لكل مستعملي الذكاء الاصطناعي، تضيء الطريق و لا تهاجم أحدا.
أيها العابر في زمن السرعة و الضجيج، و أنت تمسك بأدوات الذكاء الاصطناعي، تذكر أن ما بين يديك ليس عقلا بديلا،
بل مرآة تنعكس فيها قدرتك على التفكير، و التطوير، و الإبداع. استخدمه، نعم، لكن كقنديل يضيء لك الطريق، و ليس كحجاب عن وهجك الإنساني.
استعن به لتثري الحرف، و ليس لتفرغ الكلمة من روحك،
لتهذب أفكارك، لا لتستوردها دون حس أو أثر.
الذكاء الاصطناعي ليس خصما، بل هو مرآة لوعي الإنسان.
هو كالريح في شراع المفكر؛ يسرع وثيرة المسير، لكنه لا يحدد الوجهة.
من يراه عدوا، ربما لم يدرك بعد أن العدو الحقيقي هو الجمود، و ليس التطور.
من يعادي الذكاء الاصطناعي، فهو لا يخشى الآلة، و إنما يخشى أن يختزل الإنسان في أرقام، أن تستبدل المشاعر بالخوارزميات،
أن يختنق الإبداع في زحام التقليد الذكي و التكرار.
لكن يجب أن لا ينسى أن الأداة لا تقتل الفن و إنما يموت حين يهمل صاحبه شغفه.
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي ركنا مهما في حياتنا اليومية،
يشاركنا القرار، يساعدنا في التعليم، في الصحة، و في كل مجالات الإبداع.
لكن المسألة ليست في وجوده،
بل في كيفية توظيفه بما يخدم الإنسان.
لنحسن استخدامه،
لا نتكئ عليه كاتكال الكسالى،
بل لنتخذ منه جناحا نحلق به، دون أن ننسى ملامحنا الأصلية.
تذكر أن الذكاء الاصطناعي بلا روح و لا مشاعر، إنه آلة صماء، فلا تكن مثله.
و الإبداع الإنساني دون تطور
قد يصبح إنسانا فارغا كالطبل دون طنين.
الذكاء الاصطناعي
أداة، أما الدهشة و التأثير، فمنك، و منك فقط ينبض الإبداع.
فلا تجعل منه حجابا يحجب صوتك و لا ذريعة تخفي بها خمولك.
لا تكن آلة صماء،
تعيد ما لا تتقنه، وتردد ما لا تدركه،
الآلة وإن كانت ذكية فهي لا تملك قلبا، ولا شغفا، ولا أثرا يبقى بعد الرحيل.
كن أنت.
كن حاضرا في كلّ ما تكتب
حتى لو استعنت به.
ما قيمة الإبداع، إن لم يشبه صاحبه؟
و ما معنى الذكاء إن لم نحسن توجيهه نحن؟
و إن سألوك يومًا:
“هل كتبت هذا بنفسك؟”
فأجبهم بنعم:
” هذه كلماتي كتبتها بدم قلبي، و بمداد قلمي و الذكاء الاصطناعي ساعدني، لكن لم يوجهني.”
أخيرا وليس آخرا، نحن هنا لسنا لتمجيد التكنولوجيا، و لا لإدانتها.
بل لنقول: نحن أبناء اللحظة، وندرك تمامًا أن العالم يتغير.
و نحن لا نركض خلف العصر خوفا من أن يفوتنا الركب، بل نواكبه بثقة، و بصيرة.
نحن من نوجه الآلة و ليس العكس.
نحن من نحافظ على نفس الإنسان في كل إبداع، حتى و هو يولد من رحم التكنولوجيا.
لنحسن الموازنة،
و لنصنع من هذا العصر فرصة
و ليس مصيدة.