في محراب النور .. الكاتبة/ الزهرة العناق

 

ما أجمل أن تقرأ القرآن بعين باكية، وقلب مطمئن، واثق أن ما بين السطور ليس حروفا جامدة، بل رسائل من رب رحيم، يربت على روحك، ويفتح لك نوافذ من نور، ويقول لك في كل آية:

“أنا معك، فقط اقترب.”

ما أجمل أن تقرأ القرآن،

ليس كأنك في سباق لتختمه، بل لتختم به على قلبك السكينة.

أن تقرأه لا بصوت مرتفع، بل بخشوع، و خضوع، و خوف و محبة.

كأنك تهمس للمولى في جوف الليل:

“خذ بيدي يا رب، إني لا أريد سواك، و لا طريقا إلا طريقك المستقيم.”

حين يكون القلب سليما،

آية واحدة كفيلة بأن تثمر فيك قبل أن تختم المصحف.

وحين تكون العين صادقة،

تغسل بالدمعة ما علق فيك من غفلة ويصبح القرآن مرآة،

ترى فيها نفسك كما يريدك الله أن تكون.

لنشد الرحال اليوم مع سورة البقرة،

في مطلعها تنزل الكلمات كغيث يلامس القلب، فيعلن الله أن القرآن الكريم لا ريب فيه،

كأن الله يقول لعبده:

“اطمئن، فهذا كلامي،

هذا طريق النور، لمن أراد العيش و البقاء في النور.”

ثم تقسم القلوب، كما تنقسم الأرض بين خصب و جدب.

منهم من آمن بالغيب،

فأقام الصلاة، وأنفق مما رزق،

كأنهم غرسوا جذورهم في جنة عرضها السماوات والأرض.

ومنهم من ختم الله على سمعهم و أبصارهم، و أغلق على قلوبهم،

كأن الحياة مرت بهم، لكنهم لم يمروا بها.

ثم يضيء المشهد كبرق خاطف،

عن قوم ظنوا أنهم على نور،

فما لبثوا أن ضلوا حين انطفأ،

فكانوا كمن أوقد نارا،

فلما أضاءت ما حوله، أخذ منه النور، و لم تبقى له إلا العتمة و الخذلان.

ثم يأتي نداء رب العالمين:

“يا أيها الناس، اعبدوا ربكم”

الذي خلق، و أنبت، وسوى.

فلماذا تنكرون الجميل؟ ولم تبتعدون عن منبع النور؟

وهنا يقف القلب خاشعا أمام آية الخلق:

“إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها”

كأن الآية تقول: لا تستكبروا،

فالحق قد يأتيكم في هيئة صغيرة،

وقد يهدي الله إليكم من جناح بعوضة ما لا تهديكم إليه الجبال.

و تتابع الآيات، فتفضح من بدل نعمة الله كفرا،

ومن قال: “لا تؤمنوا…” إلا لمن كان على شاكلتكم.

ثم ترتفع بشارة النور وسط الظلام:

“وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات…”

وعد لا يخلف، من رب كريم.

إن القرآن لا يقرأ بالحبال الصوتية، بل بحبل ممتد بينك و بين الله، يبدأ من قلب صادق،

و يمتد إلى جنات النعيم.

فيا من تقرأ القرآن،

اجعل قلبك مستعدا ليس للفهم فقط، بل للتدبر، و التفكر، و الإيمان و التشبث بحبل الله المتين الذي لا ينقطع.

واجعل عينيك شريكتين في الرحلة، تبكيان حين يشتد الوعيد و تبتسمان حين يلوح وعد الجنة.

★كانت هذه رحلتنا الأولى مع مطلع سورة البقرة،

و للتتمة بقية بإذن الله تعالى في اليوم التالي،

فاجعل قلبك معنا، و امض في درب النور

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى