صفاء الذهن والوضوح في التميز .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي اكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة وجعل امتنا وله الحمد خير أمه وبعث فينا رسولا منا يتلو علينا آياته ويزكينا وعلمنا الكتاب والحكمة وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة وأشهد أن محمد عبدة ورسوله أرسله للعالمين رحمة وخصه بجوامع الكلم فربما جمع أشتات الحكم والعلم في كلمة أو شطر كلمة صلى الله علية وعلى أله وأصحابه صلاه تكون لنا نورا من كل ظلمة وسلم تسليما، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل واتقوا يوما الوقوف فيه طويل والحساب فيه ثقيل ثم أما بعد إن المغناطيس الشخصي داخل الإنسان هو إمتيازا يناله المحظوظون أو العباقرة الموهوبون أو بعض ذوي السطوة والسلطان، وهو أمر مخالف للحقيقة وينأى عنها وينحرف إنحرافا تاما، ثم لابد من الإشارة إلى أن مغناطيس الشخصية.
لا يحصل بمطالعة الكتب ولا بالدرس النفسي، فالكتب إنما وضعت بعد ملاحظات وتحليلات للقوانين والقواعد التي تهيمن على الظواهر النفسية، وإن أي شخص يستطيع أن يحقق تأثيرا لا منظورا، ذا قوة هائلة مهما كان زريا وخاملا وبعيدا عن الأوساط النافذة والمقامات العالية، فإذا رافق الحياة الداخلية الحارة الشديدة صفاء الذهن ووضوح في التميز ومضاء في العزم، أصبح صاحب هذه الحياة جذابا مؤثرا، مهما عورض في مجتمعه وعوسر في بلوغ أهدافه، فهو لابد واجد من يتكئ عليه، أو يستند إليه ويحرز معونته، ولنضيف إلى ذلك إن إنتصاراته الشخصية تمسي أهم وأكثر من إنتصارات ذوي المظهر الرائع، لأن حرارة حياتهم النفسية الضئيلة خافتة، ولكن أنت الآن في وضعك الراهن وبما هو جوهري على الأقل نتيجة أو محصلة، تعاونت على إيجادها حقائق نشاطك النفسي
ووضعك المقبل، القريب والبعيد على سواء أمر داخل في حدود ما تحتم وما تريد وما تعمل، وإنك لبالغ ما تهفو إليه في حدود ما تبذل من مجهود في سبيل صحتك وكرامتك وإنتظامك العملي وزيادة معرفتك وتوسيع دوائر إنتاجك، وإن أقل فكرة عابرة تخطر لك تعين على إيجاد جاذبيات وأحداث، فاشرع من الآن في توجيه حياتك النفسية، حتي تصل بذلك إلى التأثير الواعي على الآخرين وعلى أثر الظروف نفسها في كيانك الشخصي والعام، وكما أن هناك عامل كوني ينقل الأفكار والآراء والعواطف والخواطر، أو يبثها على المدى الأوسع الذي لا يعرف أحد سعته ولا يملك أن يقيسها، أما كيف نفهم هذا العامل وكيف يصح تأكيده وكيف نقنع من لا يقتنع بوجوده فهذا ما لا سبيل إليه إلا عن طريق التشبيه، وقد وقف منذ أكثر من نصف قرن بعض العلم
يقرون أن في الإمكان الإتصال دون سلك بأبعد الناس، وكان فيهم من يدعي أنه يعرف أسرار البرقيات اللاسلكية، فما أن تناقلت الصحف خبر هذا الإختراع حتى لوى الواقعيون برؤوسهم وسخروا قائلين “كيف يمكن نقل رسالة في الوقت الذي لا يصل بين المرسل واللاقط أي سلك؟” ثم كانت التجربة التي أيدت ماركوني، وأديسون وغيرهما من العلماء فيما ذهبوا إليه، والأكيد هو أن نظرية العالم المغلق القديمة، التي يرقى بها القدم إلى آلاف السنين، كانت ترى أن هناك عاملا كونيا دقيقا، في منتهى الدقة ينفذ خلال المادة مهما بلغت من الصلابة، لينقل أي إشعاع كان، وهذا العامل هو ما يسمونه الأثير في علم الطبيعة، والأثير هو الذي ينقل لنا الموجات التلغرافية والموجات الإذاعية في جميع محطات العالم والتلفزيون أدهش من التلغراف والراديو معا.
لأنه ينقل الصورة خلال الأثير بالإضافة إلى الصوت والصورة والإشارات والحركات، والواقع أننا نسبح جميعا في أثير واسع وهذا ينقل إلينا تأثيرات تفعل فعلها في كياننا على غير وعي منا وتتسرب داخل العناصر الغامضة التي تتولد من تجمعها وتفاعلها مع أفكارنا من جهة وتنتعش أي التأثيرات، بإهتزازات تبثها إستعداداتنا النفسية إشعاعيا، ونحن إذن على صلة دائمة بجميع الكائنات وبالأفراد والأشخاص الذين نعرفهم ولا نعرفهم خاصة ممن يتعلق بهم تحقيق ما نتمنى، وهذه الصلة هي ذلك العامل الكوني الكامن في طبيعة الأشياء الخفي عن الأعين خفاء كليا مطلقا تاما.