محمـــد الدكـــروري يكتب: مظاهر الإضطراب النفسي

الحمد لله الملك القدوس السلام، الذي أعطى كل شيء خلقه على الكمال وعلى التمام، رفع السماء بلا عمد والأرض وضعها للأنام، فيها جنات معروشات وغير معروشات والنخل ذات الأكمام، وجبال وظلال ولباس وشراب وطعام، وخيل وبغال وحمير وأنعام، الحمد لله كالذي نقول وخيرا مما نقول، أحسن كل شيء خلقه فالكل بالعناية مشمول، قدّر لكل موجود رزقه وكل على جناح النعمة محمول، أعطى كل شيء خلقه وكل أمر إليه موكول، له في كل أمر حكمة وإن ذهلت عنها العقول، نحمده تبارك وتعالى حمدا هو بالثناء عليه موصول، ونعوذ بنور وجهه الكريم من السحت والغلول، ونرجوه العصمة من الحرام في كل مشروب ومأكول، وأشهد أن لا إله إلا الله الحي الذي لا يموت ولا يزول، المستوي على عرشه دون مماسَّة أو حلول، شهد لنفسه بالوحدانية وشهد له الملائكة والعدول.
لا يشغله شأن عن شأن وغيره عن شأنه مشغول، لا يعجزه شيء وكل مراد له في الكون مفعول، لا يُسأل عما يفعل وكل من عداه مسؤول، لا يخفى عليه شيء فلا حائل دون علمه يحول، يرى ويسمع وستره على العصاة مسدول، فتح أبواب توبته لكل أسير في الإثم مغلول، لا يرد سائلا ودعاء الصالحين لديه مقبول، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد لله ورسول، دعوة الخليل وقرة عين إسماعيل وبشرى ابن البتول، أشرق على الوجود بنوره فإذا الكواكب والشموس أفول، أرسل والنفوس موات فحييت، وأينعت الزهور بعد ذبول، بعث بالحق والعقول ظلام فأفاق الناس بعد ذهول، قالت الأعراب والكهان بالظن فإذا هو بالوحي يقول، رسم الطريق إلى الهدى، ولولا هديه ما صح للعبد وصول، طوبى لمن فاز برؤيته أو نال في حضرته المثول، شُفي المريض بريقه وبلمسه نشط الكسول.
هو الحنان، هو الأمان، وبالصلاة عليه كل الهموم تزول، أعطاه الإله شفاعة وبدونها ما كان للنجاة حصول، هو الوسيلة ترتجى، إذ لولا رضاه لانعدم القبول، له المقام الأوحد وقد أصاب المقربين خمول، أنا لها، له مقالة، ونفسي ثم نفسي كل الأنبياء تقول، قرب ونجوى، حب وزلفى، وبحمده لربه يتحقق المأمول، تراه تحت العرش ساجدا والخوف في نفوس الجمع يصول، سل يا محمد ما بدا لك، فمن قبل المسألة أجاب المسؤول، فاللهم صلي وسلم وبارك على الحبيب المصطفى وعلى فروع شجرته والأصول، وعلى الصحب والآل ومن تبع، وقنا في حبهم شر كل عزول أما بعد إن من أسوء الحالات التي يعيشها أي إنسان هي حالات الإضطراب النفسي، وإن من مظاهر الإضطراب هو أن يعيش المضطرب في حالة توتر عصبي، أو عضلي دائمة
كما أن توتره الأخلاقي مستمر لا ينقطع، وهذا الأخير يتمثل في إختلال في نبضات القلب إلى عسرة في الهضم إلى تعطيل جزئي في إنتظام التنفس وفقدان التسلسل أخيرا في الأفكار، والمضطرب يفكر عفويا بشكل منقطع، ومتناثر فهو لذلك يضطر إلى بذل جهد شاق كلما أراد أن يستجمع إنتباهه ويركز في موضوع معين وخصوصا إذا كان الموضوع تجريديا، يحتاج إلى تمثلات ذهنية لا سند لها في العالم الخارجي المادي، وقل أن يجد المضطرب صحوه النفسي التام ويقظته الفكرية عندما يستيقظ من نومه، فهو لا ينهض إلا تحت ضغط واجباته الملحة، وهو بالرغم من تشدده المادي وإجتهاده الحثيث في تحقيق الإستقرار والإستقامة يجد أن سهوه كثير ونسيانه أكثر ويرى أن عمله يسير ببطء، فيحاول أن يعوض عما فات بحماسة تكلفه تعبا شديدا.
لا يلبث أن يلمس صداه في بنائه الصحي العام، والمضطرب مرهق دوما فهو لا يشعر بالراحة والعافية إلا نادرا، وإنتباهه يترنح غالبا بين إجترار الساعات الماضية، وتوقع ما يجري في الساعات المقبلة، والمضطرب إنفعالي النزعة، يأخذ لون الجو الذي يغمره فأما أن يكون فرحا مسرورا دون إعتدال، وأما منهمكا جافا ممتعضا دون سبب، ولا يملك بين هذين أن يغير جوا أو يخلق حالة جديدة، والمضطرب قلق فارغ الصبر، سريع الغضب وحاد المزاج، ويقول في هذه الساعة ما يعتذر عنه بعد ساعة، وينفي الآن ما يؤكده غدا، ويتصرف اليوم تصرف الملائكة وتراه بعد يوم شيطانا، وينزع المضطرب إلى ضرب من البيان المتقطع العجول المتسرع، وذلك ناشئ عن رغبته في أن يفهمه الناس بأسرع مما يفصح، ونادرا ما يفهمونه فيحس بذلك ويزداد إرتباكه
وإذا حضر المضطرب مجلسا ما، أوحى حضوره إلى غيره شعورا بالإنقباض الذي يخامره حتى وإن ظل صامتا جامدا، لا يبدئ ولا يعيد، ذلك بأن إشعاع النفسية المضطربه يولد تيارا مماثلا عند الآخرين، فالسكوت والجمود لا يعنيان الهدوء ولا يدلان عليه بل هما أبعد ما ينبئان عنه فهناك ولا شك حركات طفيفة متقطعة وإشارات خفيفة وعلامات بارزة، لا تنقطع بإنقطاع الكلام ولا تهدأ بهدوء البدن، فإذا ترك صاحبها المجلس شعر من فيه بالراحة والإنشراح.