حجر الزاوية في بناء الشخصية المؤثرة .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

حجر الزاوية في بناء الشخصية المؤثرة .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله ذي الفضل والإنعام على الجميع، يخلق ويرزق ويستر ويحمد الصنيع، يُطعم ويسقي ويجبر ويشفي الوجيع، ويعز ويغني وينصر ويرفع الوضيع، ويكفي ويؤوي ويكسو ويكلأ الرضيع، ويعفو ويصفح، ويَمحو الخطأ الشنيع، نحمده تبارك وتعالى ونشكره على النعم كيلا تضيع، ونسأله الثبات على الإيمان والدين فإن أقبلت الدنيا لا نبيع، ونرجوه حسن الخاتمة وأن يلحقنا بالسابقين من أصحاب البقيع، وأشهد أن لا إله إلا الله النور الهادي البديع، وشهادة نقر بها مختارين كي ندخل الحصن المنيع، من اعتقدها أمن العذاب ونجى عند الحساب ونال الشرف الرفيع، ومن أنكرها ضاع وظمئ وجاع ولم يطعم إلا الضريع، هل تنكر العيون من حفظها بالجفون؟ أم تنكر الأمعاء خروج الرجيع، وهل تنكر السماء من زينها بالنجوم؟ أو ينكر السحاب صوت الرعد الفظيع.

وهل تملك الشمس حبس ضيائها؟ أو تخرق النجوم مدارها؟ أو يأبى القمر أن يطيع، وإذا رأيت السماء أمطرت، ورأيت الأرض أنبتت، وشبع الحمل الوديع، وإذا رأيت الزهور تفتحت، وسمعت الطيور غردت، وأقبل بعد الشتاء ربيع، وإذا رأيت نعيم الدنيا إلى زوال، ودوام الحال من المحال، وموت الأحبة بغير توديع، وإذا حاولت أن تغير من الأمور واقعا، أو تجد للموت عنك دافعا، ففشلت الفشل الذريع، فاعلم أن للوجود بارئا للأمور مدبرا، وإحذر عقابه السريع، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الخاتم والشفيع، مبعوث للإنس والجان، منور للأكوان، مبين التشريع، مذكر غير ملوم، علمه مطابق للمعلوم، من أصل سنته التفريع، خلقه القرآن، تشديده الحنان، يعظ من غير تقريع، يوقظ الضمائر، ويطهر السرائر، ويقدم بسلوكه التشجيع، يؤلف بين قلوبهم، ويستغفر لذنوبهم.

ويتعهد برعايته الجميع، أمره بين أصحابه نافذ، يعفو ولا يؤاخذ، ولو وصل الأمر للتشنيع، هو ولي من لا ولي له، حفي بمن أقبل عليه، ليس من خلقه الترويع، هو للمحب حبيب، وللعليل طبيب، يداوي الشهوات بالتجويع، هو أولى بالمؤمن من نفسه، وأحب إليه من نفسه، وإلا ففي العقيدة ترقيع، الصلاة عليه في الملأ حتمية، وهي لأمته هدية، تذهب عن القلب الصقيع، فاللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه بقدر ما في الخلق من تنويع، وارزقنا شفاعته، وأوردنا حوضه، واحشرنا تحت لوائه، إنك بنا بصير، ولدعائنا مجيب وسميع أما بعد إن حجرة الزاوية في بناء الشخصية المؤثرة النافدة هو الهدوء، والهدوء ركن ترتكز عليه جميع الدارسات والرياضات والتمارين، في كل تكوين نفسي صحيح، والهدوء نفسه هو أكبر عامل مؤثر في تحصيل التأثير على الآخرين.

ونحن نأتي جميعا على هذه الدنيا ولكل منا مزاج خاص، يسيطر عليه لون خاص من ألوان الهدوء أو القلق أو البرودة أو الحدة، والصفراويون ينزعون إلى القلق، وقلما يحتفظ واحدهم برباطة جأشه، والعصبيون ثائرون دوما متهيجون، والدمويون يراوحون عادة بين جمود يعقبه إنفجار وإنفجار يعقبه خمول، أما أصحاب المزاج اللمفاوي، فإنهم هادئون في الظاهر، لكنهم معرضون لنوبات تحطم أعصابهم كلما وقعوا في مزالق حرجة، أو أصيبوا بدواه مقلقة، وإنه لا مفر للجميع من تحصيل السيطرة على النفس ودراسة وسائل هذه السيطرة، والقيام بما تقتضيه من جهود بغية الوصول إلى الهدوء النفسي، ولكن ما هو الهدوء الذي ننشده وما هو معناه؟ فإذا كان كل ما حولك من ظروف وحالات وأوضاع شخصية يحتم الهدوء ويفرضه يصبح من السهل أن تكون هادئا.

غير أن الهدوء الذي ندعو إليه شيء غير هذا، فإنه موقف تتخذه في داخلك في سريرتك، وفي قرارة نفسك رغم المعارضات التي تقاومك والمصاعب التي تواجهك، والمزعجات التي تبلبلك والأحزان والمصائب والأرزاء التي تتألب عليك في ساعة أو ظرف أو زمن، فإنه ضرب من التماسك الذاتي الصميم الذي يجعلك تجاه الحادث المؤلم كأنه لم يحدث، وهذا الهدوء لا يتم في أن تحلم به، وإنما يتحقق بالإجتهاد الدائم الدائب في كل لحظة بالإنقطاع عن الماضي وما فيه من دواعي الندم والأسى والإضطراب بتغيير نظام الحياة اليومية وإقتلاع العادات المتأصلة وتبديل الخلطاء والعشراء والإنصراف أخيرا إلى العمل والإنتاج، ثم يجب أن لا تخلط بين الهدوء واللامبالاة أو بين الهدوء وبلادة الحس، فالهادئ هو الذي يضع السدود أمام أحاسيسه ويحفر لها القنوات التي تسير فيها.

ويوجهها لما فيه سروره وسرور الناس من حوله، وأفضل ما يساعد على بلوغ هذا الهدوء الذي نصفه ونتكلم عنه هو أن تتمثل دوما الفوائد التي تعود عليك منه والمتاعب التي تتجنبها بواسطته، وهذا التمثل الذهني يوقظ في نفسك العزم والطاقة اللازمين لبذل الجهود التي يتطلبها تربية الذات والإنتظام الذاتي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى