رواتب نواب مجلس الشعب في مصر بين امتيازات السلطة ومعاناة المواطنين” بقلم عبير الزلفى

رواتب نواب مجلس الشعب في مصر بين امتيازات السلطة ومعاناة المواطنين”
بقلم عبير الزلفى
في الوقت الذي تُطالب فيه الحكومة المواطنين بشدّ الأحزمة والتكيّف مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة، تزداد الفجوة اتساعًا بين الشعب ونوّابه الذين يُفترض أنهم ممثلوه الحقيقيون. فبينما يعيش ملايين المصريين في دوامة ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، يتمتع أعضاء مجلس الشعب برواتب ومخصصات وامتيازات مالية كبيرة، قد لا يعلم الكثير من المواطنين تفاصيلها الدقيقة.
رواتب ومخصصات قد تُفاجئ المواطن العادي
رغم أن الراتب الأساسي المُعلن لنائب مجلس الشعب يُقدّر بنحو خمسة عشر ألف جنيه شهريًا، فإن هذا الرقم لا يمثل الصورة الكاملة. إذ يتقاضى النائب أيضًا بدلات حضور للجلسات واللجان تتراوح بين خمسة إلى عشرة آلاف جنيه شهريًا، حسب درجة حضوره ونشاطه.
إضافة إلى ذلك، يحصل النائب على بدل تمثيل وسفر قد يصل إلى خمسة آلاف جنيه شهريًا، فضلًا عن مصروفات مكتبية تُمنح له بشكل دوري وتُقدّر بما بين عشرة إلى خمسة عشر ألف جنيه شهريًا، تحت بند “أعباء الاتصال بالجماهير” أو إدارة مكتبه البرلماني.
أما وسائل النقل، فتُخصص لبعض النواب سيارات حكومية وسائقين، وهو ما يعادل دعمًا إضافيًا قد تصل قيمته التقديرية إلى سبعة آلاف جنيه شهريًا على الأقل. كما يحصل النائب على تأمين صحي خاص، يشمل أسرته، في مستشفيات ومراكز طبية كبرى، بتكلفة غير معلنة، لكنها قد تصل إلى عشرات الآلاف من الجنيهات سنويًا.
وعند جمع هذه البنود، يتضح أن إجمالي ما يتقاضاه النائب شهريًا لا يقل عن أربعين ألف جنيه، وقد يصل في بعض الحالات إلى خمسة وخمسين ألف جنيه أو أكثر، أي ما يعادل نحو نصف مليون إلى 660 ألف جنيه سنويًا، بخلاف الامتيازات غير المباشرة التي يصعب حصرها بالأرقام.
الواقع الاقتصادي للمصريين.. صورة أخرى تمامًا
على الجانب الآخر، يُكافح المواطن المصري يوميًا لتأمين احتياجاته الأساسية. فمتوسط الدخل الشهري لغالبية العاملين في القطاع الحكومي لا يتجاوز ستة آلاف جنيه، بينما ارتفعت أسعار السلع الأساسية في العام الأخير بنسبة وصلت إلى خمسين بالمائة أو أكثر في بعض المنتجات.
ومع تجاوز الدين الخارجي للدولة حاجز 170 مليار دولار، تتحمل مصر أعباء ضخمة في سداد الفوائد وخدمة الديون، ما يقلص من قدرة الدولة على تمويل الخدمات الأساسية، ويُستخدم كمبرر دائم لتقليص الدعم وزيادة الضرائب ورفع الأسعار.
التفاوت الصارخ.. وغياب المساءلة
أمام هذا التفاوت الواضح بين ما يتحمّله المواطن وما يحصل عليه النائب، تبرز إشكالية أخلاقية وسياسية. فكيف يُطلب من المواطن البسيط التحمل والتقشف، بينما يعيش ممثلوه في بحبوحة مالية غير مبررة؟
الأصل أن النائب البرلماني يُمثل الشعب ويشاركهم همومهم، لا أن ينفصل عنهم معيشياً. والواجب أن تكون هناك شفافية حقيقية في الإعلان عن ما يتقاضاه النائب، وربط هذه الامتيازات بمستوى أدائه وخدمته العامة.
دعوة لإعادة التوازن
لا يمكن تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية في ظل غياب المساواة في تقاسم أعباء الأزمة. فإذا كانت الدولة تطالب الشعب بالصبر والتحمّل، فمن الأولى أن تبدأ بإعادة النظر في إنفاقاتها الداخلية، وعلى رأسها ما يُخصص للنواب والقيادات التنفيذية.
الشفافية، وربط الامتيازات بالمسؤولية، ومراعاة الواقع الاجتماعي، هي خطوات ضرورية لبناء ثقة حقيقية بين المواطن وممثليه، وإلا سيبقى البرلمان مجرد قبة من الزجاج تفصل بين فئتين: فئة تحكم، وفئة تُطالَب فقط بالصبر والتحمّل.