حكم على جميلة بوحيرد بالإعدام، وهو الأمر الذى أفجع العالم العربى بأسره وتحركت حملة دولية فى الأمم المتحدة ضد الحكم بالإعدام على جميلة بوحيرد، كما كتب كبار الشعراء العرب قصائد للدفاع عن جميلة التى أضحت رمز القضية الجزائرية،
جميلة بوحيرد، هي مناضلة جزائرية، إبّان الثورة الجزائرية على الإستعمار، من المناضلات اللاتي ساهمن بشكل مباشر في الثورة، وحُفر اسمها في ذاكرة التاريخ ضمن النساء المناضلات ضد الاستعمار في العالم العربي، وتحديدًا ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر، الذي استمر نحو 132 عامًا .. المرأة التي صفق لها العالم احترامًا وتقديرًا لدورها ضد الاستعمار الفرنسي في بلدها، لتعد بذلك رمز نضال المرأة العربية.. وأبرز الشخصيات المناضلة في القرن العشرينن ومسقط الرأس: ولدت جميلة في حي القصبة بالجزائر العاصمة، من أب جزائري مثقف وأم تونسية من القصبة وكانت البنت الوحيدة بين أفراد أسرتها فقد أنجبت والدتها 7 ذكور. وتاريخ الميلاد: عام 1935م، أما النشأة: كان لوالدتها التأثير الأكبر في حبها للوطن فقد كانت أول من زرع فيها حب الوطن وذكرتها بأنها جزائرية لا فرنسية. رغم سنها الصغيرة آنذاك، وعن التعليم: واصلت تعليمها المدرسي ومن ثَم إلتحقت بالمعهد للخياطة والتطريز فقد كانت تهوى تصميم الأزياء الكلاسيكية
وعن الهوايات: مارست الرقص الكلاسيكي وكانت ماهرة في ركوب الخيل، وغيرها من الهوايات الخاصة التى دائماً ما نجدها بالطبقات المترفة، أما النضال ضد الاستعمار: كان الطلاب الجزائريون يرددون في طابور الصباح فرنسا أُمُنا لكنها كانت تصرخ وتقول: الجزائر أًمُنا، فأخرجها ناظر المدرسة الفرنسي من طابور الصباح وعاقبها عقاباً شديداً لكنها لم تتراجع، ورفعت شعار “الجزائر أمنا” وهى طفلة، وفي هذه اللحظات ولدت لديها الميول النضالية.
عندما اندلعت الثورة الجزائرية عام 1954م، انضمت بعد ذلك إلي جبهة التحرير الجزائرية للنضال ضد الاستعمار الفرنسي وهي في العشرين من عمرها، ثم إلتحقت بصفوف الفدائيين وكانت أول المتطوعات مع المناضلة جميلة بوعزة التي قامتا بزرع القنابل في طريق الإستعمار الفرنسي، وكان دور جميلة النضالي يتمثل في كونها حلقة الوصل بين قائد الجبل في جبهة التحرير الجزائرية ومندوب القيادة في المدينة (ياسيف السعدي) الذي كانت المنشورات الفرنسية في المدينة تعلن عن دفع مبلغ مائة الف فرنك فرنسي ثمناً لرأسه ! ونتيجة لبطولاتها وشعبيتها وسط المقاومة الجزائرية، أصبحت الأولى على قائمة المطاردين للجيش الفرنسى، وذات يوم عندما كانت جميلة متوجهة لـ «ياسيف السعدي» برسالة جديدة، شعرت أن أحدًا يراقبها؟ فحاولت الهروب، غير أن جنود الاحتلال طاردوها وأطلقوا عليها الرصاصات التي استقرت إحداها في كتفها الأيسرعام 1957م، لكنها حاولت الاستمرار في الهرب وفشلت، وألقي القبض عليها عندما سقطت على الأرض تنزف دماً بعد إصابتها.
رحلة التعذيب القاسية:
أفاقت جميلة في المستشفى العسكري، ومن داخل المستشفى، حيث كانت محاولة الاستجواب الأولى، لإجبارها على الإفصاح عن مكان «ياسيف السعدى»، لكنها تمسكت بموقفها، فأدخلها جنود الإحتلال في نوبة تعذيب استمرت سبعة عشر يومًا متواصلة، تعرضت خلالها إلى مختلف أنواع العذاب، وصلت إلى حد أن أوصل جنود الإحتلال التيار الكهربائى بجسدها، وبدأت رحلتها القاسية مع التعذيب بالصعق الكهربائي لمدة ثلاثة أيام، وكانت تغيب عن الوعي وحين تفيق تقول الجزائر أُمُناا، فلم يسطيع جسدها النحيل تحمل ألوان العذاب، فأصيبت بنزيف استمر خمسة عشر يوماً، لكن جميلة ابنة الثانية والعشرين كانت أقوى من كل محاولات معذبيها، تحملت آلام التعذيب ولم تعترف بأسماء أو أماكن وجود رفاقها المجاهدين.
المحاكمة الصورية وصدور حكم بالإعدام:
حكم على جميلة بوحيرد بالإعدام، وهو الأمر الذى أفجع العالم العربى بأسره وتحركت حملة دولية فى الأمم المتحدة ضد الحكم بالإعدام على جميلة بوحيرد،
حين فشل المعذِّبون في انتزاع أي اعتراف منها، تقررت محاكمتها صورياً وصدر بحقها حكماً بالإعدام عام 1957م ، وأثناء المحاكمة وفور النطق بالحكم رددت جملتها الشهيرة :
«أيها السادة، إنني أعلم أنكم ستحكمون علي بالإعدام، لأن أولئك الذين تخدمونهم يتشرفون لرؤية الدماء، ومع ذلك فأنا بريئة، ولقد استندتم في محاولتكم إدانتى إلى أقوال فتاة مريضة رفضتم عرضها على طبيب الأمراض العقلية بسبب مفهوم، وإلى محضر تحقيق وضعه البوليس ورجال المظلات وأخفيتم أصله الحقيقى إلى اليوم، والحقيقة إنني أحب بلدي وأريد له الحرية، ولهذا أؤيد كفاح جبهة التحرير الوطنى، أنكم ستحكمون علي بالإعدام لهذا السبب وحده بعد أن عذبتموني، ولهذا السبب قتلتم أخواتي بن مهيرى وبومنجل وأضور، ولكنكم إذا تقتلونا لا تنسوا أنكم بهذا تقتلون تقاليد الحرية الفرنسية، ولا تنسوا أنكم بهذا تلطخون شرف بلادكم وتعرضون مستقبلها للخطر، ولا تنسوا أنكم لن تنجحو أبداً في منع الجزائر من الحصول على استقلالها».
كانت هذه كلمات جميلة بو حيرد في المحكمة، عندما انطلقت فجأة في الضحك بقوة وعصبية بعد علمها بحكم بالإعدام، ما آثار دهشه القاضي فصرخ قائلاً: «لا تضحكي فى موقف الجد».
تحدد يوم 7 مارس 1958م لتنفيذ الحكم، وقد تعمدوا إخفاء موعد إعدامها عن الإعلام، وتواطأت معهم وكالات الأبناء الاستعمارية، لكن إرادة الله كانت الأقوى فوق إرادة الاستعمار، ولم يتم إعدام جميلة بوحيرد، كما حكمت المحكمة.
خرجت صرخة جميلة من قاعة المحكمة إلى أرجاء العالم، وثار العالم من أجلها، ولم تكن الدول العربية وحدها هي التي شاركت فى إبعاد هذا المصير المؤلم عن جميلة، فقد انهالت على «داج همرشولد»، السكرتير العام للأمم المتحدة فى ذلك الوقت، البطاقات من كل أنحاء العالم تقول: «انقذ جميلة».
اجتمعت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بعد أن تلقت الملايين من برقيات الإستنكار من كل أنحاء العالم وطالبوا بإطلاق سراحها.
كان من نتائج الضغط الكبير الذى مارسه الرأى العام العالمى تأييداً للبطلة جميلة بوحيرد، أثر حاسم في إجبار الفرنسيين علي تأجيل تنفيذ الحكم بإعدامها، ونقلت إلى سجن ريمس فى عام 1958م، ثم عُدّل إلى السجن مدى الحياة.
الخروج من السجن:
بعد ثلاثة سنوات من السجن تم ترحيلها إلى فرنسا وقضت هناك مدة ثلاث سنوات ليطلق سراحها بعد ذلك مع بقية الزملاء، بعد تحرير الجزائر، عام 1962م، خرجت جميلة بوحيرد من السجن مع بقية الأسرى المقاومين، وتزوجت محاميها الفرنسي الشهير جاك فيرجيس، سنة 1965م الذي دافع عن مناضلي جبهة التحرير الوطني، خاصة المجاهدة جميلة بوحيرد والذي أسلم واتخد منصور اسماً له.
بعد الاستقلال:
بعد الاستقلال، تولت جميلة رئاسة اتحاد المرأة الجزائري، قررت أنها لم تعد قادرة على احتمال المزيد، فاستقالت وأخلت الساحة السياسية. وهي ما تزال تعيش متوارية عن الأنظار، لكن المرات القليلة التي ظهرت فيها أمام الناس أثبتت أن العالم ما زال يعتبرها رمزاً للتحرر الوطني.
هذه البطلة التي لولاها هي وأمثالها… لما كانت الجزائر هي الجزائر اليوم.
كبارالشعراء يكتبون قصائد للدفاع عن جميلة رمز القضية الجزائرية:
بوحيرد أشهر رمز للمقاومة في الجزائر، بل هي الأشهر علي الإطلاق عندما يذكر العرب اسماً لمناضلة، أنها ألهمت الشعراء، “حتى أن بعض النقاد أحصى ما يقرب من سبعين قصيدة كتبها عنها أشهر الشعراء في الوطن العربي : نزار قباني، وصلاح عبد الصبور، بدر شاكر السياب، الجواهري .. وعشرات آخرين.
من الأشعار التي قيلت فيها.
قالو لها بنت الضياء تأملي ما فيك من فتن ومن انداء
سمراء زان بها الجمال لونه واهتز روض الشعر للسمراء
من قصيدة “جميلة علم وهران” للشاعر المصري صلاح عبدالصبور
عندما يسقط ذاك العلم الأسمر في تربة وهران مدمى
وهلال المفرق الأنور في التلة يطوى، ثم يرمى
عندما تبرق عينان …نجوماً مشرقية
وترفان كطيرين جريحين على عشب وماء
عندما يشحب خدّان نديان، ولا يستفهم ثغر
ويكون الموت أحلى، وهو مرّ.
فيروز تغنى لجميلة بو حيرد:
غنت المطربة اللبنانية فيروز أغنية “رسالة إلى جميلة”، للمنضالة بو حيرد
السينما المصرية تخلد نضال جميلة بو حيرد:
بعد شائعة وفاتها.. خلدت السينما المصرية نضال جميلة بوحيرد، كانت قصة كفاحها ونضالها محور فيلم بعنوان جميلة عام 1958م، ويحكي عن أحد أهم الشخصيات في تاريخ الجزائر وهي جميلة بوحيرد، وهو من إخراج المخرج المصرى العالمى يوسف شاهين
تكريم المناضلة جميلة فى بيروت:
عام 2013م ، جاءت المناضلة جميلة إلى بيروت، حيث كرمتها قناة “الميادين” ضمن سلسلة مهرجان “جدارة الحياة” الذي أُقيم في قصرِ الأونيسكو، حيث قدم لها رئيس مجلس إدارة قناة الميادين / غسان بن جدو درعاً تكريمياً بحضورِ فِعالياتٍ سياسيةٍ وإعلاميةٍ وثقافية وإجتماعية عربية وأممية، وهو أولِ تكريمٍ من نوعِه تقومُ به مؤسسةٌ إعلاميةٌ عربية، ومما قالته في الاحتفال:
“أنا سعيدة بلقائكم للمرة الثانية في لبنان. أقدّر جيداً اللبنانيين الذين يبذلون الغالي والنفيس للدفاع عن الوحدة والاستقلال. من زيارتي الأولى، احتفظت بذكرى شعب يريد أن يعيش، وأنا على يقين من أن لبنان سيتجاوز صعوباته… كيف يمكن ألا نُعجب بهذا البلد وشعبه؟ كيف يمكن ألا نعجب بمقاومة هذا البلد وشعبه؟ أنا متأثرة جداً بهذا التكريم الموجه للجزائريين الذين بنضالهم الصلب أعطوا الجزائر عزّتها”
استقبال عبد الناصر للمناضلة بوحير:
استقبال الزعيم جمال عبد الناصر عام 1962م للمناضلة جميلة بو حيرد ومعها المناضلة زهرة أبو ظريف فى القصر الجمهورى بالقبة وحظيا باستقبالاً شعبياً
تكريم المجلس القومى للمرأة لرمز النضال والصمود جميلة بو حيرد:
كرّم المجلس القومي للمرأة بمصرالمناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد؛ فى عام 2018م باعتبارها رمزا للنضال والصمود، وتحدثت بوحيرد وهي تغالب دموعها معربة عن تقديرها ومحبتها للشعب المصري: “شعب كريم وأصيل.. محبتكم على رأسي.. شكرا لكم ألف شكر”، كما حضرت الإحتفالية كريمة الرئيس جمال عبد الناصر التي عرضت فيلماً تسجيلياً نادراً يوثق أول زيارة لجميلة بوحيرد، والتي إلتقت فيها بوالدها الزعيم جمال عبد الناصر
مصر تكرم جميلة بو حيرد على هامش مهرجان أسوان:
كانت المناضلة الجزائرية ضيفة شرف مهرجان أسوان الدولى لأفلام المرأة الدولى حيث حملت دورته اسم جميلة بو حيرد وتم تكريمها ضمن فعاليات المهرجان من أجل مسيرتها التاريخية الحافلة بالبطولات والمواقف الثورية..
تكريم الرئيس التونسى للمناضلة الجزائرية:
كرّم الرئيس التونسي قيس سعيد، المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، بمنحها الصنف الأول من وسام الجمهورية التونسية، وقال بيان للرئاسة التونسية إن سعيّد “استقبل بقصر قرطاج المناضلة الكبيرة جميلة بوحيرد أحد أهم رموز الثورة الجزائرية.” وأضاف البيان أن سعيّد “منح بوحيرد الصنف الأول من وسام الجمهورية التونسية، تقديرا لمكانتها ونضالها الطويل من أجل تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، وكفاحها المستمر دفاعاً عن الحريات.”
عادة ما ينشأ المناضلون من أبناء الطبقات الشعبية والفقيرة والذين يكونون عرضة للاضطهاد أكثر من غيرهم، إلا أن جميلة بوحيرد لم تكن ابنة هذه الطبقة بل كانت ابنة طبقة مترفة، حرصت أسرتها على مواصلة تعليمها، إلا أنها رغم ذلك عرفت طوال عمرها بحسها الوطنى العالى، حيث كانت ترفض ترديد النشيد الوطنى الفرنسى فى المدرسة، والذى يقول فيه “فرنسا أمنا” لتصرخ قائلة: “الجزائر أمنا”
وكانت قصة تعذيب جميلة بوحيرد واحدة من الأحداث التى جذبت التعاطف الكبير مع القضية الجزائرية، ودعمت مطالب الاستقلال الجزائرى عن فرنسا، بعد احتلال دام لأكثر من 130 عاماً.
سنوات عاشتها المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد فى سجن الإحتلال الفرنسى ذاقت فيهم عذاب لا يتحمله بشر، ولكن بحجم هذا العذاب كانت المكافأة الإلهية، فلم تسكن «جميلة» قلوب الجزائريين فقط، بل سكنت قلوب العرب من المحيط إلى الخليج، وصارت رمزاً عالمياً للكفاح من أجل الحرية، لكن يبقى لابنة الجزائر الحرة أو أم العرب مكانة خاصة فى القلوب