قراءة نقديّة لقصّة من الظلمات إلى النور للقاصة الطفلة الكفيفة ميساء بن ميم من الناقدة د. هالة مهدى
قراءة نقديّة لقصّة من الظلمات إلى النور للقاصة الطفلة الكفيفة ميساء بن ميم من الناقدة د. هالة مهدى

الناقدة / د. هالة مهدى (تونس)
التعريف بالناقدة : –
د. هالة مهدي،
دكتوراه في الأدب العربي
النشاط :
الدراسة النقدية
قراءة شعرية نقدية لكتاب كليلة ودمنة
صاحبة المجموعة القصصية بائعة الياسمين
العنوان:
من الظلمات إلى النور: عنوان ذو مرجعيّة دينيّة لقوله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة 257) أي من الكفر إلى الإيمان. فأي كفر وأي إيمان قصدتهما الكاتبة؟ ذاك ما سيكشف عنه متن القصّة.
القصّة:
التلخيص يمكن تلخيص القصّة في ما يلي:
أحمد هو شابّ عاطل عن العمل متحصّل على شهادة جامعية عليا ويعيش في عائلة فقيرة كثير عددها يئس من إصلاح حاله فيصاب بأزمة نفسيّة عميقة خاصّة بعد أن جرّه أصحاب السوء إلى هاوية إدمان المخدّرات فيصبح متعاطيا لها مرّة في الأسبوع، يقرّر زيارة الطبيب النفسي ليجد حلاّ لمأساته، فينصحه الطبيب بضرورة الانضمام إلى إحدى النوادي وبالمطالعة حتى يقلع عن هذا السمّ القاتل، فيعمل بنصيحته ويخرج من ظلمات الإدمان والفراغ إلى نور الحياة والإبداع ليعيش الأمل من جديد.
بين طيّات هذه القصة تعرّج الكاتبة على عديد القضايا الاجتماعيّة التي يعيشها المجتمع إلى جانب قضيّة المخدّرات، من بينها البطالة وخاصة للمتحصلين على الشهائد العليا، الفقر وغلاء المعيشة، أصحاب السوء الذين يساهمون في تردّي الأخلاق وجرّ الأبرياء إلى الهاوية، المخدرات وما تخلفه من أخطار على الفرد والمجتمع… قضايا عديدة حاولت الكاتبة جمعها في هذا النصّ ذي النَّفَس الإصلاحيّ والتعليمي.
الشخصيّات:
أحمد المدمن على المخدرات،
الجدّ الضرير الذي يرى ببصيرته ويدمن على التدخين،
كاتبة الطبيب،
الطبيب المعالج النفسي الذي سيكون يد الأمان التي ستخرج أحمد من الظلمات إلى النور،
أصدقاء أحمد (لم يكن حضورهم فعليا بل كان من خلا حديث أحمد عنهم)
الإطاران المكاني والزماني:
المكان الذي تجري فيه الأحداث يتراوح بين :
عيادة الطبيب وبين الفضاء الخارجي الذي انطلق إليه أحمد بعد زيارته للطبيب يتمثل في النادي الرياضي الذي مارس فيه كرة القدم رفقة وحده أولا
ثمّ صحبة رفاقه ثانيا بعد أن نجح في إقناعهم بمخاطر المخدرات.
الزمان:
زمن القصّ وهو الحاضر أما زمن الأحداث فيتراوح بين :
الحاضر (أثناء وجود أحمد وجده داخل العيادة وأثناء وجود أحمد خارج العيادة عند انضمامه إلى نادي كرة القدم)
وبين الماضي والحاضر الذي يسرد خلاله أحمد بعض التفاصيل عن حياته والظروف التي جرّته للإدمان على المخدرات.
السرد:
لم تخرج الكاتبة عن عادة القصّ المتعارف عليها في كتابة القصص فقد جمعت في قصتها بين السرد والوصف والحوار.
قام السرد بتفصيل الأحداث بدءا من وصول أحمد وجده إلى عيادة الطبيب وصولا إلى شفائه من الإدمان وتأسيس ناد لكرة القدم صحبة أصدقائه.
الوصف:
وظّفته الكاتبة لوصف الإطار المكاني والشخصيّات ظاهرا وباطنا.
الحوار:
كشفت من خلاله عن الشخصيات المتحاورة والعلاقات بينها وأهمّ القضايا التي أشرنا إليها سابقا.
كان أسلوب الكاتبة في القصّ ممتعا يعتمد على المراوغة والمفاجأة،
ففي وصفها للجدّ ذاك الشيخ الضرير العاجز الذي يقوده شاب يافع وسيم وهما يدخلان لقاعة الانتظار في العيادة يتبادر إلى ذهن القارئ مباشرة أنّ المريض هو الجدّ، فإذا بها تصدمنا صدمة أولى يتّضح من خلالها أنّ المريض هو الشابّ وليس الجدّ،
الصدمة الثانية : ظهرت في حوار الشاب مع جده ناهيا إياه عن التدخين فإذا بالجدّ يردّ ويقول للشاب عليك أنت بالإقلاع عن المخدّرات وهنا يبدأ الانكشاف، انكشاف العقدة المتمثّلة في أنّ العيادة هي عيادة طبيب نفسي يعالج المدمنين نفسانيّا الذين يعانون من اليأس والفراغ بسبب التفاف الحياة حول رقابهم بسبب البطالة والفقر والإدمان.. وليست عيادة لمعالجة المسنّين.. هذه المراوغة السرديّة أضفت على القصة جمالية مخصوصة فإذا بالكاتبة تظهر لنا بارعة ممسكة بزمام القصّ مثلها مثل أي كاتب متمرّس محترف.
نهاية القصّة :
هي نهاية تقليديّة اتسمت بالانفراج الذي سبقته أزمة ومحاولة لحلّ الأزمة
فكانت الأحداث متسلسلة مسترسلة تخللها بعض الاسترجاع لأحداث الماضي التي وظفتها الكاتبة للكشف عن خصائص الشخصيات النفسية والاجتماعية.
أسلوب الكاتبة :
اتّسم بالبساطة التي تناسب سنها حينا والتي تفوق سنّها أحيانا أخرى،
فالكاتبة رغم حداثة سنها تبدو واعية بقضايا عصرها ساعية نحو توجيه الشباب إلى الطريق الحق والابتعاد عن عالم الإدمان المدمّر،
إضافة إلى اعتمادها على عنصريْ التشويق والمفاجأة في قصّها مما أضفى جمالية على نصّها.
الكاتبة ضريرة وإحدى شخصيّات قصّتها –وهي الجدّ- ضريرة أيضا، لكنّ الأعمى في القصّة لم يكن الجدّ الضرير بل كان الشاب الوسيم السليم المعافى فقد أعمى أصدقاؤه بصيرته وجرّوه إلى هاوية الإدمان وظلماتها، فإذا بالكاتبة –الضريرة- تنير بصائر القرّاء بنصحهم وإرشادهم إلى الطريق الصواب والحذر من مغبّة الانجراف في تيّار الإدمان.
هذه المعادلة الصعبة بين البصر والبصيرة مهمّة جدّا فكم من بصير مبصر ؟ وكم من مبصر على عينيه غشاوة الجهل والضعف؟
خاتمة القول:
من الظلمات إلى النور قصّة تتسم بالطرافة، وهي محاولة جادة من كاتبة – ميساء بن ميم – مازالت تتلمّس طريقها ببصيرتها نحو عالم الأدب والإبداع، لا يسعنا في مثل هذا المقام سوى الثناء عليها وتشجيعها لتطوير ملكة القصّ عندها والالتحاق بركب القصاصين المحترفين محليّا ووطنيّا وعالميّا.