سعياً لتحقيق نظام عالمى أكثر عدلاً.. ديلما روسيف من البرازيل إلى بنك التنمية الجديد

ديلما روسيف، اسم برز على الساحة الدولية مرة أخرى، وذلك عقب توليها منصب رئيس بنك التنمية الجديد لتجمع بريكس، تبلغ من العمر 75 عاما، وتم انتخابها لهذا المنصب المرموق فى مارس الماضى، خلال تصويت بالإجماع لمجلس إدارة البنك، وذلك باقتراح من الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا.
لم يكن منصب رئاسة البنك بالمنصب الجديد على “ديلما”، فلقد سبق أن شغلت منصب رئيسة البرازيل، لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب هناك، وذلك فى الفترة بين يناير 2011 وأغسطس 2016، قبل أن تتنحى بعد إجراءات عزل مثيرة للجدل، فديلما روسيف، هى خليفة الرئيس السابق لولا دا سيلفا، رئيس البرازيل من عام 2003 إلى عام 2011، وهى الآن واحدة من أكثر السياسيين شعبية فى الجناح الأيسر للبرازيل، وها هى فى سن الخامسة والسبعين، يتم انتخابها رئيسًا لبنك التنمية الجديد لمنطقة بريكس، لتضاف إليها مسئوليات جديدة حيث كانت لديها بالفعل حياة سياسية مزدحمة.
لمحة سريعة هن ديلما روسيف
ولدت ديلما روسيف عام 1947، حيث بدأت حياتها السياسية، وانخرطت فى المقاومة المسلحة، وألقى القبض عليها عام 1970، وتم تعذيبها لمدة اثنين وعشرين يومًا، قبل أن يزج بها فى السجن لمدة ثلاث سنوات. بعد إطلاق سراحها أنهت دراستها فى الاقتصاد، ودخلت عالم السياسة، الذى بدأته أولاً على المستوى المحلي، فى ولاية ريو، ثم جراندى دو سول، وبعدها على الساحة الوطنية، بعد أن أصبحت وزيرة دولة للطاقة فى عام 1993. ثم تولت منصب رئاسة الوزراء فى عام 2003، بعد انتخاب لولا دا سيلفا والذى توسم فيها خيرا. ونظرًا لأن دى سيلفا لا يستطيع الترشح مرة أخرى بعد ولايتيه الرئاسيتين المتتاليتين، فكانت ديلما هى المرشحة الطبيعية لحمل علم حزب العمال (يسار الوسط)، فى الانتخابات الرئاسية، لتفوز بالفعل فى الانتخابات، وتصبح أول امرأة منتخبة رئيسة للبرازيل فى عام 2011.
وضعت ديلما القضايا الاجتماعية فى صميم ولايتها، حيث أطلقت برامج اجتماعية مثل “برازيل بلا فقر”، الذى نظم عمل الحكومة لمكافحة الفقر، وبسبب عملها فى القضاء على الفقر، أصبحت ديلما معروفة على نطاق واسع، باسم “أم القضاء على الفقر”، وأظهرت دراسة أجراها البنك الدولى عام 2015، أن البرازيل نجحت فى الحد بشكل كبير من الفقر خلال العقد الماضى، حيث انخفض معدل الفقر المدقع من ٪10 فى عام 2001 إلى ٪4 عام 2013.
ويقول التقرير “لقد نجا نحو 25 مليون برازيلى، من الفقر المدقع أو المعتدل”، وهذا الحد من الفقر ليس نتيجة للخصخصة، لكن من برنامجين حكوميين أعدهما ونفذهما لولا دا سيلفا وديلما، وهذان المخططان هما مخطط الإعانة العائلية، وخطة البرازيل بدون فقر وهذان، اللذان ساعدا العائلات فى العثور على الوظائف، من خلال بناء البنية التحتية مثل المدارس وشبكات المياه والصرف الصحى، فى المناطق ذات الدخل المنخفض، وجلبت ديلما روسيف خبرتها إلى هذه البرامج، التى انقلبت فوائدها فى ظل حكم خلفائها بعد ذلك.
أما على الصعيد الدولى، فقد عملت على تقوية العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى، ودعمت تطوير الشراكة الروسية – البرازيلية عبر مجموعة البريكس. لكن فترة ولايتها الأولى شابتها سلسلة من المشكلات المتعلقة بعملاق النفط “بتروبرا”، وتكاليف تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2014، لكن ذلك لم يمنع من إعادة انتخابها فى 2014.
لكن لحقت بها المشكلات فى النهاية، بسبب عضويتها فى مجلس إدارة “بتروبرا”، فى الفترة من 2003 إلى 2010، حيث صوت مجلس الشيوخ البرازيلى لإقالتها فى عام 2016، لكنها رفعت قضية أمام المحكمة العليا، لكن رفضت دعواها، حيث اتهمها المدعى العام رودريجو جانوت، هى ولولا دا سيلفا، بأنهما الزعيمان الرئيسيان لـ “منظمة إجرامية”، وذلك فى سياق فضيحة فساد شركة بتروبرا، ومع ذلك، فلم يمنعها كل ذلك من إمكانية ممارسة الوظائف العامة، حيث برأتها العدالة بعد ذلك عام 2019، هى ودا سيلفا الذى أعيد انتخابه لولاية ثالثة عام 2022، وليتم انتخاب ديلما رئيسة لبنك التنمية الجديد، المرتبط ببريكس، حيث أيد مجلس محافظى البنك ترشيحها بالإجماع.
عندما كانت ديلما رئيسة للبرازيل (2011-2016)، واستجابةً لممارسات التقشف الخاصة بالديون لدى صندوق النقد الدولى، والبنك الدولى، أنشأت دول البريكس مؤسسات “صندوق التحوط” (كبديل لصندوق النقد الدولى) بمجموعة 100 مليار دولار، وبنك التنمية الجديد (كبديل للبنك الدولى)، بمبلغ إضافى قدره 100 مليار دولار كرأس مال أولى، تسعى هذه المؤسسات الجديدة إلى تمويل التنمية من خلال سياسة إنمائية لا تفرض التقشف على أفقر البلدان، لكنها تسترشد بمبدأ القضاء على الفقر.
صراع الشمال والجنوب
يعتبر بنك بريكس مؤسسة حديثة العهد، مقارنة بالبنك الدولى، تم الترويج لفكرة إنشائه من قبل الهند، خلال قمة البريكس الرابعة فى دلهى فى عام 2012، وإن كانت روسيا سبقتها، بمبادرة إنشاء المجموعة عام 2006، لتعزيز التعاون الشامل بين الدول الأعضاء.
يقع المقر الرئيسى لبنك التنمية الجديد فى شنغهاى بالصين، وتم إنشاء الاسم كاختصار من الأحرف الأولية لأسماء أعضاء المجموعة الخمس، وهى البرازيل والصين وروسيا والهند وجنوب إفريقيا، تم إنشاء بنك التنمية بهدف تمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة، وكذلك لدعم البلدان النامية أيضا مثل بنجلاديش، وأوروجواى لتلبية احتياجاتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
المثير فى الأمر، أن هناك أكثر من 20 دولة طرقت أبواب مجموعة بريكس، لقد وصلت هذه المجموعة بالفعل إلى مرحلة متقدمة إلى حد ما فى فحص انضمام الأعضاء الجدد، كما أعلن سفير جنوب إفريقيا لدول بريكس، أنيل سوكلال فى فبراير الماضى، فالبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا تهنئ أنفسها على نجاح مشروعها المشترك، حيث تطمح العديد من الدول بالفعل للانضمام إلى هذا النادى، الذى يعمل كثقل موازن لمجموعة السبع الغربية، خصوصا أنه فيما يتعلق بتكافؤ القوة الشرائية، فمن المقدر أن تكون اقتصادات.
البريكس مجتمعة أكبر من الاقتصاد الكلى لدول مجموعة السبع وبالتالى، فإن المؤسسة، ومقرها شنغهاى، تنافس البنك الدولى فى واشنطن.
نزع الدولار
الانفتاح على هذا العالم الجديد، الملقب بـ “الجنوب العالمى”، يظل فى الوقت الحالى مجرد وهم فى أوروبا، لكن يبدو أن فرنسا وحدها مهتمة بفرص بريكس، فهى تريد أن تقول كلمتها، إذ يبدو أن إيمانويل ماكرون، يريد أن يقترب من بكين، حيث إنه فى عالم القرن الحادى والعشرين، من الأفضل عدم وضع كل البيض فى سلة واحدة.
المعركة الكبرى لبلدان بريكس، هى نزع الدولار، إذ بدأت دول “الجنوب العالمي” بالتخلى عن الدولار، العملة المرجعية العالمية منذ عام 1944 هذا الدولار الذى يعد بمثابة سيف العقوبات الأمريكية، الذى يثقل كاهل كل الدول التى تستخدم هذه العملة فى معاملاتها.
ومن هنا تستعد دول بريكس لمشروع عالمى للعملة المضادة، ولبناء بنية اقتصادية جديدة لتحدى هيمنة الدولار الأمريكى، فالهدف قصير الأجل هو تقديم ٪30 ، من قروض بنك التنمية بالعملات المحلية وتمويل ما يقرب من ثلث محفظة قروضه بعملات الدول الأعضاء بحلول عام 2026، فهو يأمل فى مساعدة البلدان النامية على تجنب التقلبات الصارخة فى أسعار الصرف.
وقد أصدر بنك التنمية الجديد بالفعل، سندات مقومة بالعملة الصينية. ولقد تم الاعتراف بوجهة نظر روسيف القائلة: بإن العالم ينتقل إلى نظام نقدى متعدد الأقطاب، حتى من قبل بعض وسائل الإعلام والمحللين الغربيين، فالعصر الأحادى القطب للهيمنة الأمريكية قد انتهى، واستُبدل بنظام “متعدد الأقطاب”: “عالم واحد ونظامان”.
وعلى عكس البنك الدولى، فإن بنك التنمية الجديد هو مؤسسة متعددة الأطراف حقًا، ولا تهيمن عليها قوة واحدة، وتنص الاتفاقية التأسيسية لعام 2014، على أن “رأس المال المكتتب الأولى لبنك التنمية سيتم تقسيمه بالتساوى بين الأعضاء المؤسسين”، وأن “قوة التصويت لكل عضو ستكون مساوية لأسهمه المكتتب بها فى رأسمال البنك، ولا يوجد بلد لديه حق النقض داخل بنك التنمية الوطنى، كما تنص الاتفاقية التأسيسية لبنك التنمية الوطنى، على أن “يتم انتخاب رئيس البنك من أحد الأعضاء المؤسسين على أساس التناوب، ويجب أن يكون هناك نائب رئيس واحد على الأقل، من كل من الأعضاء المؤسسين الآخرين، وهذا على عكس البنك الدولى تمامًا، حيث يخضع بشكل أساسى لسيطرة الولايات المتحدة، ويقع مقره الرئيسى فى واشنطن العاصمة، ويشتهر بسمعته السيئة فى حصر بلدان الجنوب بالديون البغيضة.