عبقرية الجغرافيا تسطر روايات التاريخ بقلم : لواء / حسام سمير

لم يكن يوما يتصور الخديوى سعيد والى مصر أن قلمه الذى وقع على عقود الامتياز للشركة الفرنسية فى حفر قناة السويس سيكون فاصلا يقف عنده التاريخ ليسطر قصصا وحواديت مصرية بالغة الروعة تتناقلها الأجيال المتعاقبة بعزة وفخر..ولم يكن فرديناند ديلسيبس عبقرى تصميم القنوات فى العالم سيكتبه التاريخ فى سجلاته الخالدة كصاحب أعظم فكرة قدمت للإنسانية أعظم وأجل الخدمات وأنبلها..ولم تكن مصر دولة ينقصها الكثير لتصبح فى مصاف الدول المحورية فى العالم أجمع فقد كتب عليها أن تكون وتظل وتحيا.

فعبقرية الجغرافيا تقدم للبشرية كل ما يدفعها لأن تتواصل وتحيا وتبقى .

وتلك القناة المائية هى الشريان الرئيسى والأوحد الذى تعبر منه كل قوافل البواخر التى تسير حركة العالم التجارية والعسكرية والاقتصادية .

فماذا كان سيصنع العالم بدونها لو لم تكن موجودة أو باقية ..فالغرب يعتمد عليها فى توصيل طاقة الحياة من منابع النفط فى الشرق الأوسط والشرق الأسيوى ..والشرق يعتمد عليها فى توصيل المنتج الغربى ..كل مانتخيله من بواخر مختلفة الأنواع والأحجام والحمولات تعبر شرقا وغربا ومعها تجارة العالم التى تمثل نسبة تعادل ٩٧٪ من التجارة العالمية .

كما لايخلو المجرى الملاحى يوميا من البوارج العسكرية وحاملات الطائرات والغواصات التى تجوب محيطات وبحار العالم.

وتشير الأرقام إلى واقع وحقيقة راسخة
ترسم لمصر مكانا متميزا وفريدا بين كل ربوع العالم .

فالمسافة التى تقطعها الباخرة بين ميناء جدة السعودى على البحر الأحمر وميناء بيرايوس اليونانى الواقع على البحر المتوسط ١٣٢٠ ميل بحرى فى حالة عبورها قناة السويس بينما إذا ماسلكت طريق الرجاء الصالح حول القرن الأفريقى ستكون المسافة ١١٢٠٧ ميل بحرى بفارق ٩٨٨٧ميل بحرى وهى تعادل نسبة توفير تقدر ب٨٨٪؜ .

بينما تكون المسافة التى تقطعها الباخرة من ميناء رأس تنورة فى السعودية إلى ميناء روتردام فى هولندا ٦٤٣٦ ميل بحرى فى حالة عبورها القناة بينما تكون المسافة بين المينائين ١١١٦٩ ميل بحرى إذا سلكت طريق رأس الرجاء الصالح بفارق ٤٧٣٣ ميل بحرى وهى تعادل نسبة توفير فى المسافة تقدر ب ٤٧٣٣ ميل بحرى وبنسبة ٤٢٪ .

أما إذا ما قطعت المسافة بين طوكيو عاصمة اليابان وميناء روتردام الهولندي عبر قناة السويس فستكون ١١١٩٢ ميل بحرى عبر قناة السويس ..أما إذا كان المشوار عبر رأس الرجاء الصالح سيكون ١٤٥٠٧ ميل بحرى ..وسيكون بفارق ٣٣١٥ ميل بحرى وبنسبة توفير ٢٣٪ .

العالم يتحرك بدافع تقدير الاحتياجات وحساب الوقت والتجارة لاتعرف غير التوقيتات..كما أن التهديدات العسكرية بين الدول وبعضها تتوقف قوتها على القدرة فى نقل العتاد العسكرى من أقصى الشرق إلى غربه أو بالعكس ..وهذا لايوفره إلا المعبر العالمى الأوحد فى العالم
وقد كان لجنوح الباخرة العملاقة البنمية وشحطها فى مدخل القناة منذ عامين تقريبامن الأهمية التى أيقظت العالم كله بعد أن دويت صرخة مذهلة فى أذان الدول كلها..فقد توقفت الحياة لبعض الوقت وحبس الجميع أنفاسه فهناك خسارات فادحة وحسابات معقدة وتغييرات مؤثرة صنعها التوقف الوقتى البسيط لشريان الحياة

وقد تعرض هذا المجرى الملاحي فى الأونة الأخيرة لعديد من المخاطر التى تؤثر على أهميته والتى انعكس بدورها على تفرده وتميزه عن غيره من الممرات الملاحية فى العالم والتى تستهدف فى المقام الأول مصر

فقد طفى إلى السطح فكرة الممر الاقتصادى التجارى بين بعض من دول شرق آسيا وبين بعض من الدول الخليجية والأوروبية والدولة العبرية كبديل مقترح عن قناة السويس .

ثم أدت تداعيات حرب غزة إلى ظهور العديد من التهديدات فى مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر دخلت حيز التنفيذ من قبل الحوثيين أحد ميليشيات وأذرع النظام الشيعى الإيرانى فى منطقة الشرق الأوسط استتبعها اتجاه أمريكا ومعها مجموعة من الدول منها فرنسا وبريطانية ورومانيا إلى تشكيل تحالف بحرى دفاعى بهدف تأمين عبور السفن وحمايتها ضد هجمات الحوثيين التى أصبحت فى تزايد مستمر ومضطرد ..بينما تستمر اسرائيل ماضية فى قصف العزل المدنيين فى غزة رافعة راية حجة القضاء على حماس..

علقت شركات كبرى عبور بواخرها فى البحر الأحمر واختارت طريق رأس الرجاء الصالح وفضلت فى ذلك اعتبارات أمن سفنها وأعطته أولوية على تكاليف الوقت واقتصادها الخاص
كل ذلك ينذر بارتفاع تكاليف الشحن البحرى فى العالم ويضاعف ويؤجج فكرة الممر العالمى الجديد .

بينما تحصل اسرائيل على احتياجاتها من خلال ميناء دبى وعبر الأراضى السعودية والأردنية
أزمة جديدة تتمثل فى تأثر إيرادات القناة وهى من الإيرادات السيادية الأولى فى الاقتصاد المصرى .

كتب علينا أن نتحمل حماقات العالم وتصرفات حكامه وتحالفهم المتآمر بهدف حصار مصر

ولأن مصر دائما وأبدا تعى مسئولياتها التاريخية والإنسانية فقد اتخذت خطوات جادة وهامة فى توسيع القناة وتكريت عمق الغاطس بها ..ولما لا وقد كان ومازال يعبر جسر العالم على دماء وأجساد أجدادنا ..فمصر ليست دولة عادية ..بل هى دولة قدرية ..ونحن أبناء القدر وله قادرون ومتوكلون على الله

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى