الدكروري يكتب / عن الدعوة في المواسم على القبائل

الدكروري يكتب / عن الدعوة في المواسم على القبائل
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الإسلاميه أنه كانت قريش تزداد في حرب محمد صلي الله عليه وسلم عنفا كلما ازداد في الدعوة إلى الله إمعانا، ومات عمه أبو طالب، وماتت زوجه خديجة رضي الله عنها، فشجع ذلك قريشا على زيادة التعرض له وإيذائه، وأراد أن يستنصر ثقيفا بالطائف فردوه بشر جواب، وعرض نفسه في المواسم على القبائل وأتاها في منازلها، فلم يسمع له منها أحد، ثم كان الإسراء، فانصرف جماعة من المسلمين عن دينهم، وازدادت قريش إيذاء لمن أقاموا على إسلامهم حتى ضاقوا بما يلقون منها ذرعا، على أن دعوة محمد صلي الله عليه وسلم كانت قد اتصلت على السنين.
فتركت من الأثر ما جعل كثيرين يفكرون فيها وفي الحق الذي تنطوي عليه، وكان أهل يثرب أكثر تأثرا بها من سائر العرب لذلك أسلمت طائفة منهم كانوا النواة لبيعة العقبة الأولى، وكان إسلامهم أول ما دعا رسول الله للتفكير في الهجرة إلى يثرب، فلما استدار العام أقبل من المدينة خمسة وسبعون مسلما، ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان، وهؤلاء هم الذين بايعوا بيعة العقبة الثانية أو الكبرى، بايعهم رسول الله صلي الله عليه وسلم على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، ومن يومئذ أمر أصحابه بمكة أن يلحقوا الأنصار بيثرب على أن يتركوا مكة متفرقين حتى لا تثور قريش بهم، وكان هذا مبدأ الهجرة إلى المدينة، وبدأ انتقال الإسلام إليها وانتشاره منها إلى سائر الأرجاء من شبه الجزيرة.
وهذه الفترة التي انقضت بين إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأمر محمد صلي الله عليه وسلم أصحابه أن يلحقوا الأنصار بيثرب هي لا ريب من أدق الفترات التي مر بها رسول الله صلي الله عليه وسلم ودين الله، أفكان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فيها مواقف تتفق وما عرف من صراحته وبأسه وقوة شكيمته؟ لم نقف في كتب السيرة وكتب التاريخ على شيء من ذلك فيه غناء، لكن ذلك ليس معناه أن عمر في فتوة شبابه ومضاء بأسه وبالغ قوته، قد وقف من الأحداث التي مرت حينئذ برسول الله صلي الله عليه وسلم وبالمسلمين موقفا سلبيا، فهو من غير شك قد كان من أكثر المسلمين شجاعة في احتمال ما ينزل بهم وصبرا عليه، ومن أشدهم دفعا لما يستطيع دفعه من الأذى عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وعن إخوانه المسلمين.
لكنه رجل يؤمن بالنظام ويحرص أشد الحرص على اتباعه، كان ذلك شأنه في الجاهلية، فأحري به أن يكون شأنه في الإسلام، وقد كانت سياسة رسول الله صلي الله عليه وسلم في هذه الفترة التي نتحدث عنها تتجنب البأس والشدة في كل مظاهرهما، ولا تتجاوز المغفرة لمن أساء إليه، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن “فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم” وكان ذلك موقفه من قريش بمكة، ومن ثقيف بالطائف، ومن سائر القبائل التي دعاها إلى النور والهدى فاستكبرت وأعرضت عن دعوته، وهذه سياسته لم يكن لبأس عمر رضي الله عنه وقوته أن يظهرا معها ظهورهما يوم أسلم وقاتل المشركين حتى صلى وصلى المسلمون معه عند الكعبة.